إن ما يحدث اليوم بين المملكة والشقيقة سوريا ليس مجرد تقارب اقتصادي، بل هو إعادة تعريف للعلاقة بين بلدين عربيين مؤثرين، يملكان من الإمكانات ما يؤهلهما لتشكيل محور استقرار وتنمية في المنطقة، وكانت توجيهات قائدنا الملهم سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء / الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعودـ حفظه الله- منذ اللحظات الأولى لتولي الحكومة الجديدة الحكم، بمد المؤسسات السورية الشقيقة بكل ما يلزم من دون أي سقف محدد؛ لإحياء بلد تتطلب إعادة بنائه جهوداً أشبه بالمعجزة، وإطلاق مشروع نهضوي شامل، وشهدت العاصمة دمشق خلال شهر يوليو الماضي تحولًا استثنائيًا، عندما استقبلت وفدًا سعوديًا رفيع المستوى برئاسة وزير الاستثمار خالد الفالح، ضم أكثر من (130) شخصية من كبار المستثمرين ورجال الأعمال، ولم يكن لهذا الانفتاح أن يتحقق لولا التحول الواضح في الرؤية السعودية في ضوء التغيرات التي حدثت. هذا التغير أتاح للمملكة الفرصة لتفعيل أدواتها الاقتصادية في مسار؛ يتماشى مع أولوياتها الإستراتيجية، وتعزيزًا لهذا التوجه، أمر سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله ـ بإنشاء مجلس أعمال سعودي سوري؛ يعنى بتنسيق الجهود بين القطاعين العام والخاص، وتنظيم تدفقات الاستثمار، ومتابعة تنفيذ المشروعات على الأرض، وعقدت جلسات مكثفة أفضت إلى توقيع (47) اتفاقية ومذكرة تفاهم تجاوزت قيمتها (24) مليار ريال غطت جميع القطاعات الحيوية، التي تمثل العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية مستدامة؛ لتصبح المملكة رسميًا أكبر شريك اقتصادي خارجي لسوريا منذ عام 2011، وستخلق هذه الاستثمارات أكثر من (50) ألف فرصة عمل مباشرة، إضافة إلى مئات الآلاف من الفرص غير المباشرة في سلاسل التوريد والخدمات المساندة ، واستأثرت البنية التحتية السورية بنصيب الأسد من هذه الاستثمارات، مع إعلان المملكة عن مشروعات كبرى تشمل إنشاء مصانع أسمنت، ومدن سكنية متكاملة، ومرافق سياحية، وتطوير البنية الرقمية والأمن السيبراني، في خطوة تهدف إلى تمكين الاقتصاد السوري من دخول عصر التحول الرقمي، بعد سنوات من العزلة التكنولوجية، وأعلنت مجموعة تداول عن شراكة مع سوق دمشق للأوراق المالية؛ لبحث إمكانية الإدراج المزدوج، وتطوير آليات التمويل البديل عبر صناديق الاستثمار، ما يُعد نقلة نوعية في بيئة الأعمال السورية، وفي تطور جديد وقّعت المملكة وسوريا أول أمس الاثنين اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة، خلال زيارة رسمية لوفد سوري رفيع المستوى إلى الرياض، ومن أبرز بنود الاتفاقية حماية قانونية متبادلة للاستثمارات ضد المخاطر غير التجارية وتسهيلات ضريبية وجمركية للمستثمرين في البلدين مع وضع آليات تحكيم دولية لحل النزاعات الاستثمارية وضمانات تحويل الأرباح برأس المال المستثمر، لذلك نقولها بكل فخر: إن الرياض تضع- وبجدارة- حجر الأساس لإعادة رسم الخريطة الاقتصادية للمنطقة.
العلاقات السعودية السورية والرؤية المستقبلية
