يعيش العالم هذه الأيام، خاصة في المنطقة، التي نعيش فيها الآن، بقلق شديد؛ بسبب الحرب الدائرة بين العدو الصهيوني من جهة، وإيران من جهة أخرى. الطرف الأول الذي يملك السلاح النووي يرى أنه لا يحق للطرف الثاني امتلاك سلاح نووي، والسبب واضح ومعروف وهو الدمار الهائل الذي يمكن أن يحدثه هذا السلاح الفتّاك. لقد جرّب العالم هذا النوع من الدمار قبل ذلك في 1945 عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين وانتهت الحرب العالمية الثانية باستسلام مهين من قبل اليابان بعد رؤية الدمار الشامل، الذي أحدثته هاتان القنبلتان. كانت تلك هي المرة الأولى، وندعو الله أن تكون الأخيرة، التي يتم فيها استخدام هذا النوع من السلاح.
العلماء وحدهم يدركون خطورة هذه الأسلحة؛ لأنهم هم الذين اخترعوها وطوّروها وقدّموها للسياسيين على طبق من ذهب. يُقال: إن أوبنهايمر، صاحب القنبلة النووية، تقيّأ- أكرمكم الله- عندما توصّل إلى المعادلة الرياضية النهائية التي أدت إلى اكتشاف القنبلة النووية. لقد أدرك فداحة الخطوة التي سيقوم بها. سلّم أوبنهايمر هذا المشروع للسياسيين الأمريكيين وتفرّغ لمحاربة الأسلحة النووية حتى مات. مفارقة ساخرة أن تجد عالمًا يخترع قنبلة ويسلّمها للسياسيين، ثم يمضي بقية عمره يحارب استخدامها. رفض أوبنهايمر المضي قدمًا في مشروع سلاح آخر أشد فتكًا، وهو القنبلة الهديروجينية.
مات أوبنهايمر، لكن عالمًا آخر من الشباب الذين التحقوا في مشروع مانهاتن في 1951 أكمل المسيرة التي توقف عندها أوبنهايمر، واستطاع بعد سبع سنوات من قنبلتي هيروشيما ونجازاكي أن يسلّم تصميمًا من أربع صفحات فقط حول كيفية صنع قنبلة أشد فتكًا وأكثر دمارًا؛ وهي القنبلة الهيدروجينية. العالم الذي توصّل إلى هذا التصميم هو ريتشارد جاروين الذي وافته المنية قبل شهر من مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران مع العدو الصهيوني. جرى اختبار الجهاز الحراري النووي الذي صمّمه جاروين في جزر مارشال في عام 1952 حيث كان الانفجار أقوى 700 مرة من قنبلة هيروشيما حيث وصل عرض سحابة الفطر بعد انفجارها إلى 100 ميل، وأحدث حفرة عرضها ميل وعمقها 164 قدمًا- بحسب ما خطط لها جاروين.
المفارقة الساخرة أن جاروين هذا أصبح من أشد المعارضين لاستخدام ما توصّل إليه، وكان طوال حياته بعد ذلك يقدم المشورة والنصائح لمختلف الرؤساء الأمريكيين ضد هذا الاتجاه؛ حيث كان هؤلاء يرجعون إليه في كل خطوة كأقمار التجسس الصناعية والصواريخ الباليستية والمخاطر النووية مثل كارثة فوكوشيما؛ لأنه الوحيد القادر على تقدير حجم الدمار الذي يمكن أن يحدث.
في عام 2021، تقدّم جاروين مع 700 عالم آخر إلى الرئيس جون بايدن بطلب جماعي بتخلّي الرئيس عن سلطته في إصدار أمر أو قرار باستخدام السلاح النووي؛ كإجراء احترازي يضمن في المستقبل عدم وصول هذا القرار إلى رئيس مختل أو مجنون يصدر قرارًا متهورًا مثل هذا.
شبح هيروشيما يرقص من جديد
