في لحظةٌ خاطفة، حينما تحوَّل غبارُ اليوم إلى رذاذٍ يلفح وجهي،
حلمتُ مجددًا بحلم الشتاء،
ذلك الحلم الذي راودني
عندما كنت صغيرا ألعب.
لم يكن أشدّ حزنًا ممّا كان آنذاك.
لا شيء جديد.
رغم أنني قد مشيت أبعد في طريقي،
فإنه نفس الحلم من جديد.
كانت هذه القصيدة القصيرة، مفاجأة سارة لمن يعرف الشاعر روبرت فروست، وقرأ له مجموعة من القصائد. نُشرت هذه القصيدة في مجلة النيويوركر الشهيرة في 10 فبراير 2025، بعد أن وجدها صديق لعائلة فروست، داخل ديوان للشاعر الأمريكي الذائع الصيت، في مكتبة منزلية لتربوي متقاعد بعد وفاته. تخيل أن تقرأ قصيدة جديدة لشاعر مثل روبرت فروست توفي في عام 1963. المدهش أن فروست كتب هذه القصيدة في 1918 لكنه لسبب مجهول، لم يضمّنها أي من دواوينه. ترى ما الذي منعه من نشرها؟
قصائد فروست تضع القارئ في ورطة فلسفية؛ خاصة وأنه يستخدم ضمير المتكلم بالقصيدة ليتقمص القارئ نفس الدور التراجيدي الذي عليه أن يلعبه. الكل يتذكّر قصيدته الشهيرة :” الطريق الذي لم أسلكه”، والتي يعيشها الإنسان في لحظة ما عندما يتخذ قراراً مصيرياً، يكون سبباً في تغيير حياته، كأن: على سبيل المثال لا الحصر، يختار تخصصاً في الجامعة، ويتخرج فيه، ويعمل بموجبه لسنوات طويلة. الدراما الحقيقية أنه لا يكتشف الخطأ في قراره هذا، إلا بعد أن يكون القطار قد فات، ولا سبيل إلى العودة من جديد، لأنه مضى الكثير من الزمن على هذا القرار، الذي صنع الفارق الجيّد، أو الرديء في الحياة. يقول فروست على لسان البطل المسكين في نهاية قصيدته الرمزية القديمة، إنه سيتذكّر هذا الاختيار بعد “أجيال وأجيال”، وأنه لا سبيل للعودة من جديد، لكي يمشي الطريق الآخر الذي لم يقرّر وقتها أنه الأنسب له.
كأن هذه القصيدة التي اكتشفت هذا الشهر، تعارض تلك القصيدة القديمة، وتوضّح أن الاختيار بين البدائل، لا يعكس أي فارق على الإطلاق، لأن النهاية محتومة، وهو أن العواطف والذكريات تبقى كما هي: تختفي وتظهر من جديد. هل يمكن أن يكون هذا هو السبب الذي منع فروست من نشر قصيدته خاصة وأن الزمن بين القصيدتين هو سنتان فقط؟
المأساة في هذه القصيدة الجديدة أعلاه، أن تكتشف بعد كل هذه السنوات، أن كل شيء لم يتغير، وأن الإنسان يجتر تلك اللحظات الحزينة التي عاشها وهو صغير. لذلك، لا تأس عزيزي القارئ على ما فات، و لا تحزن على سوء اختياراتك، أو قراراتك التي كنت تعتقد أنها السبب في البؤس الذي تعيش فيه الآن. مهّما كان القرار الذي اتخذته. هو نفس الحلم الحزين إياه. لا شيء جديد.
khaledalawadh @