عدت أدراجي بسيارتي من المحطة القريبة دون شراء وقود منها. هذه المحطة؛ ربما كانت هي البالغة رقم ألف من أخوات لها تحت مالك واحد في مختلف أنحاء المملكة. وقد كتب المالك اسم المحطة باللغة الإنجليزية، ونسي أو تغافل عن كتابة الاسم باللغة العربية. وعودتي دون شراء البنزين ليس عتبًا على المالك، ولكن شفقة بالعاملين فيها. فقد نسيت محفظتي في البيت. والحمد لله، أني تذكرت ذلك قبل الدخول في إشكالية مع العامل الذي كان سيعبئ سيارتي، ثم يحدث ما لا يحدث عقباه. ولا شك أنه يوجد بين زبائن المحطات من يتورط في مثل هذه المشكلة، والعامل لا يحتمل راتبه الطفيف تعبئة البنزين بالمجان. وبإمكاني ترك السيارة ليطمئن العامل على صدق نيتي، ثم أذهب وآخذ المحفظة أو البطاقة البنكية وأسدد القيمة. لكن ذلك لا يكفي. فالمحطة ليس فيها مواقف لمثل هذه الحالة. وما يدري العامل أني أحرك سيارتي إلى موقف قريب، ثم أنطلق بها ولا أعود. ربما يطلب العامل مفتاح السيارة؛ لكي يوقفها هو بنفسه ويحتفظ بالمفتاح حتى يتسلم المبلغ. المشكلة في السيارات ذات القير العادي. والعامل لا يحسن إلا قيادة السياررات الأوتوماتيك. إن المحطة على محور حافل يرتادها في تقديري نحو 700 زبون في اليوم. قل إن أحدهم نسي محفظته، وآخر لم ينسها ولكنه مفلس عاطل عن العمل، أو يعمل في شركة لم تدفع رواتبه بضعة أشهر، ويحتاج الوقود، وثالث لص أزعر (الأزعر هو سيئ الخلق) قرر أن يملأ سيارته بالتي أو اللتيا. فهل عمل صاحب المحطة هذه وغيرها بالمئات في جدة وحدها حساب هؤلاء الثلاثة؟ أم أنه يحاسب العمال بكمية اللترات التي سجلتها طرمبات المحطة؟ دون أن يتفضل بالسماح أو المرحمة لما ضاع على هؤلاء المساكين.
ولنسأل الزبون المقتدر الطيب الذي ملأ سيارته ودفع القيمة لكنه داخل سيارته المكيفة. هل فكر فيما يعانيه العمال من حرارة الجو وتلويثه بدخان العوادم. والمساكين يعانون لحظة بلحظة من الهواء الذي يتنفسونه، فلا ينتهي دوامهم إلا وقد اعتمرت صدورهم بالسخام والدخان. ولولا الحاجة ما عملوا في هذه الوظيفة.
في الوقت الذي أبارك لصاحب المحطة الألف بالوصول إلى هذا الرقم، أقول له: زادك الله من فضله، ولكن ضع اسم المحطة بلغتنا العربية، واكسب أجر العمالة التي لديك بتخصيص مكرمة منك في حساب اللترات المباعة؛ بحيث لا يتحمل العامل عندك قيمة الوقود الذي بلعته سيارة الناسي أو المفلس أو الأزعر. ولربما لم تصل هذه الرسالة إليك لكن من وصلت إليه، وأنا أولهم أتمنى أن يطفئ الزبون مكيف السيارة ثلاث دقائق أو حتى خمس دقائق عند الوقوف لتعبئة البنزين رحمة بالعمال. الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
عامل المحطة
![](https://albiladdaily.com/wp-content/uploads/2024/01/محمد-علي-الجفري.jpg)