نيو دلهي : البلاد
كشفت الميزانية العامة للهند لعامي 2025-2026 عن “مهمة الطاقة النووية التحويلية” مما يشير إلى تحول محوري في استراتيجية الطاقة الوطنية في وقت أكد الوزير الهندي جيتاندرا سينغ ، الذي يتولى حقيبتي الطاقة الذرية والفضاء على أن هذه المبادرة تهدف إلى وضع الطاقة النووية كحجر الزاوية في البنية التحتية للطاقة في الهند .
كما تم تخصيص مبلغ كبير يبلغ حوالي 2.3 مليار دولار أمريكي للبحث والتطوير في مجال المفاعلات النووية الصغيرة المعيارية مع هدف طموح لتشغيل ما لا يقل عن خمسة مفاعلات نووية صغيرة مصممة محليًا بحلول عام 2033م حيث أكد ذلك جيتاندرا سينغ في مقابلة حديثة على الدور الحيوي للطاقة النووية في تأمين مستقبل الطاقة في الهند موضحًا رؤية الحكومة الاستراتيجية لجعل البلاد مكتفية ذاتيًا في إنتاج الطاقة وفق قوله.
كما أضاف سينغ أن تعزيز الشفافية والتعاون سيساعد في وتيرة الإبتكار ويتماشي مع رؤية الحكومة الهندية ” مشروع وطني آتمانيرفر بهارات” يعني به ( الهند المعتمدة على ذاتها) وفيما يتعلق باعتماد الهند على واردات البترول، وقد شدد جيتاندرا على ضروة الهند التركيز على الطاقة النظيفة والمستدامة ستكون ركيزة أساسية لأمن الطاقة في البلاد.
ومن اجل تعزيز القدرات النووية المحلية وتشجيع مشاركة القطاع الخاص وتطوير التكنولوجيا النووية ، وقد اطلقت الحكومة الهندية ” مهمة الطاقة النووية ” تحت عنوان ” فيكوسيت بهارات” أي (الهند المتقدمة ) مما وضع الطاقة النووية كحجر الزاوية في استراتيجية الطاقة الهندية. ومع استمرار اقتصاد الهند في التوسع السريع، اصبح الطلب على مصادر الطاقة الموثوقة والمستدامة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
من المعلوم، أن الوقود الأحفوري التقليدي لا يزال يهيمن حاليًا، لكنه يشكل تحديات بيئية ويخضع لتقلبات السوق وعلى الرغم من أن مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح تحقق مساهمات كبيرة، إلا أنها بطبيعتها متقطعة. وفي هذا السياق، توفر الطاقة النووية بديلاً مستقرًا ومنخفض الكربون يمكنه تلبية متطلبات الطاقة الأساسية مما يعزز أمن الطاقة ويدعم الالتزامات البيئية.
والجدير بالذكر أن المفاعلات النووية الصغيرة المعيارية تمثل تقدماً كبيراً في التكنولوجيا النووية حيث تعرف هذه المفاعلات عادة بأنها تولد ما يصل إلى 300 ميجاواط من الكهرباء لكل وحدة وتتميز المفاعلات بعدة مزايا مقارنة بالمفاعلات التقليدية كبيرة الحجم والوحدات والنمطية وقابلية التوسع حيث يمكن تصنيع المفاعلات النووية في المصانع ونقلها إلى مواقع التشغيل لتجميعها مما يخفض من أوقات البناء والتكاليف.
وعلاوة على ذلك، فإن انخفاض الإستثمار الرأسمالي وامكانية اضافة قدرات انتاجية تدريجياً يجعل المفاعلات النووية الصغيرة المعيارية جاذبة من الناحية المالية كما يتماشى تركيز الحكومة على المفاعلات النووية الصغيرة مع الاتجاهات العالمية نظرًا لإمكاناتها في إحداث ثورة في صناعة الطاقة النووية. ويعكس تخصيص 2.3 مليار دولار أمريكي للبحث والتطوير التزام الهند بتطوير تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة المحلية بهدف إنشاء ما لا يقل عن خمسة مفاعلات بحلول عام 2033م.
ومن الجانب البارز في مهمة الطاقة النووية هو الإقتراح بتعديل قانون الطاقة الذرية لعام 1962م وقانون المسؤولية المدنية عن الإضرار النووية لعام 2010م حيث اشاد الوزير جيتاندرا سينغ بقرار الحكومة فتح قطاع الطاقة النووية أمام القطاع الخاص، واصفًا هذه الخطوة بأنها “ثورية” مشيرًا إلى أن هذا القطاع ظل لعقود محاطًا بالسرية لعقود من الزمن حيث تهدف هذه التعديلات التشريعية إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص في مشاريع الطاقة النووية .
تاريخيا، كان القطاع النووي في الهند خاضعا لسيطرة الدولة إلى حد كبير على سبيل المثال شركة الطاقة النووية الهندية المحدودة (إن بي سي أي ايل) في الصدارة. ومن المتوقع أن يؤدي فتح القطاع أمام الجهات الخاصة إلى جذب الاستثمار وتحفيز الابتكار وتعزيز البنية التحتية في حين يمكن للكيانات الخاصة أن تساهم في توسيع وتحديث البنية الأساسية النووية.
ومن جانب آخر، تضع مهمة الطاقة النووية هدفًا طموحًا يتمثل في تحقيق قدرة إنتاجية تبلغ 100 جيجاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2047م بالتزامن مع الذكرى المئوية لاستقلال الهند. كما يعكس هذا الهدف رؤية استراتيجية لتنويع مزيج الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون. حاليًا، تبلغ القدرة النووية للهند حوالي 8 جيجاواط مع خطط لزيادتها إلى 20 جيجاواط بحلول عام 2032م. بالإضافة إلى ذلك هناك عشرة مفاعلات قيد الإنشاء بطاقة إجمالية تبلغ 8,000 ميجاواط موزعة عبر ولايات مختلفة بما في ذلك غوجارات، وراجستان، وتاميل نادو، وهاريانا، وكارناتاكا، وماديا براديش.
كما يوجد هناك تعاون دولي حيث تم الحصول على موافقة مبدئية لإنشاء محطة نووية بطاقة 6 × 1208 ميجاواط في ولاية آندرابراديش الهندية بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك هناك أيضاً التركيز على مفاعلات بهارات الصغيرة بقدرة 220 ميغاواط من نوع المفاعلات الثقيلة المضغوطة بالماء التي تتمتع بسجل أمان موثوق والمصممة للإستخدامات الصناعية حيث تهدف هذه المبادرات إلى تعزيز مكانة الهند كقوة رائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا النووية المتقدمة مما يساهم في أمن الطاقة الوطني وتحقيق الأهداف البيئة العالمية .
علماً أنه من خلال الإستثمار في المفاعلات النووية الصغيرة المعيارية واجراء الإصلاحات السياسية من اجل تشجيع مشاركة القطاع الخاص ووضع أهداف طموحة للقدرة الإنتاجية حيث ترسم الهند مساراً نحو مستقبل مستدام وآمن للطاقة . كما صرح الوزير جيتاندرا سينغ بوضوح فإن هذه المبادرة ستجعل من الطاقة النووية مصدراً رئيسياً للطاقة في الهند مما يعكس استراتيجية مستقبلية والتوازن بين التنمية والمسؤولية البيئية وفق قوله.