في نهاية الخمسينات وبداية الستينات الميلادية من القرن العشرين، تمكّن الروس تحت اسم الاتحاد السوفياتي، من إرسال مجموعة أقمار صناعية إلى الفضاء، كان أولها يحمل اسم سبوتنيك، كأول دولة في العالم تفعل ذلك، محدثة هزّة كبيرة في العالم بشكل عام، وصدمة تاريخية في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، على الصعيد السياسي والتقني والتعليمي والعسكري، لأن هذه الأخيرة، كانت تعتقد أنها المسيطرة على العالم بعد أن دمّرت مدينتين يابانيتين بالقنبلة النووية، التي تم استخدامها مرة واحدة فقط، ونأمل أن تكون الأولى والأخيرة.
وصول الاتحاد السوفيتي إلى الفضاء قبل الأمريكان، يعني قدرة الصواريخ الروسية على حمل الأسلحة النووية إلى أي زاوية في العالم، وبالتالي تهديد الولايات المتحدة التي يبدو من خلال هذه الأزمة أنها تراجعت مرتبة واحدة بعد أن سيطر الروس على المرتبة الأولى على ما يبدو. جنّ جنون السياسيين الأمريكيين، وألقوا باللوم على كبش الفداء الجاهز لهم، وهو التعليم، الذي قالوا إنه بحاجة إلى غربلة كاملة، فظهرت القرارات الجديدة بفرض التعليم الذي يعتمد على العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، والذي يعرف بــ STEM. هل هناك تشابه بين ما نراه في أمريكا في تلك الفترة التاريخية البعيدة، وبين ما نراه في التعليم لدينا الآن في عصر الذكاء الصناعي؟ بمعنى آخر، هل تابعنا ما يحدث تاريخيا في أمريكا بحيث نبدأ من حيث انتهت، دون أن نضطر إلى تكرار الأخطاء التي وقع فيها الأمريكان؟ بدأ سباق التسلّح ومعه الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا التي يبدو أنها مازالت مستمرة حتى الآن في عهد بوتين.
مرّت أمريكا بصدمة أخرى خلال الأسبوع الماضي لا تقل قوة عن لحظة سبوتنيك السابقة، وهي هذه المرة مع عدو لدود آخر يختلف عن روسيا حيث أطلقت الصين بشكل مفاجئ تقنية الذكاء الصناعي “ديب سيك” المنافسة لتقنية شات “جي بي تي” الأمريكية، في الوقت الذي كان الأمريكيون يعتقدون أنهم المسيطرون على مثل هذا النوع من التقنية. كانت الضربة موجعة في وول ستريت إلى الدرجة التي خسرت فيها شركات التقنية الأمريكية أكثر من 700 بليون دولار في يوم واحد. كان ترامب الذي لم يكمل بعد 15 يوماً كرئيس لأمريكا في فترته الثانية، قد جمع أباطرة الذكاء الصناعي في حكومته من أمثال إيلون ماسك للاستثمار في الذكاء الصناعي الذي يقودون العالم فيه. لكنه لم يتوقع أن تأتي هذه الضربة بهذه السرعة من عدوّه اللدود الصين رغم كل الاحترازات والقرارات التي اتخذتها أمريكا ضد الصين مثل حظر بيعها للشرائح المتقدمة غالية الثمن التي تمتلكها الشركات الأمريكية، ومحاولة حظر شبكة تيك توك الشهيرة في أمريكا. كل ذلك ذهب مع الريح فقد دخلت الصين معهم في سباق تنافسي محموم قد يؤدي في نهاية الأمر إلى أن يكون الذكاء الصناعي متاحاً للجمهور مثل الكهرباء في المنازل. ترك ترامب أهل غزة وشأنهم مؤقتاً وتوقّف عن اقتراحاته المجنونة. التنين وبوتين يركضان أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله. لعل الركض يستمر أربع سنوات.
khaledalawadh @