حدثت هذه المحاورة أمام سمعي وبصري. فقد جاء الصحفي زيد إلى مكتب الأستاذ رضا محمد لاري (رئيس تحرير عكاظ من 1975 إلى 1980م) بعد تقاعدهما بعشر سنين، ودار بينهما حديث ذو شجون، حتى وصلا إلى الخبر الذي كتبه زيد (ليس اسمه الحقيقي)، ونشرته عكاظ على الصفحة الأخيرة، وعنوانه:( المملكة تحضر مؤتمرا للفئران بالقاهرة.) وكان زيد يقصد مؤتمر مكافحة الفئران. ونظر إليه الأستاذ رضا نظرة عتاب، لكن زيدا (رحم الله العاتب والمعتوب عليه)، أصرَّ على أنه على حق، وأن القارئ عنده نظر، وسيدرك ما هو المقصود عندما يقرأ عنوان الخبر.
رئيس التحرير لا يستطيع أن يقرأ كل مواد الصحيفة. فلا بدّ من أن ينيب عنه من يتحرّى ويدقِّق ويفحص ما ستنشره الصحيفة قبل صدورها في اليوم التالي. فأنت يا هلال عليك فحص صفحات الرياضة، وأنت يا أمين عليك فحص قسم الاقتصاد وهكذا. أما الصفحتين الأولى والأخيرة، فهما من مسؤولية رئيس التحرير. وقد خصَّص أحد رؤساء التحرير الصفحة الأخيرة للمرأة، وبدلاً من أن يكون عنوانها الأخيرة، أو الوداع، أو ما شابه ذلك، فقد سمَّاها طعم التفاحة. كلام لا أوافق عليه. فالتفاحة إن كانت هي الثمرة الممنوعة، فقد أكلها آدم وحواء. وليست خطيئة حواء وحدها. الشاهد أن العنوان اختفى بعد أيام. عوتب عليه رئيس التحرير، أو لعله عدل عنه من تلقاء نفسه.
خلال صحافة الأفراد، كان رئيس التحرير هو مالك الصحيفة، ومكاسبها له وخسائرها عليه. وقد تم دمج صحيفتين في المنطقة الغربية دون اختيار رئيس تحرير. وبما أن أحدهما كان مسؤولاً، وله وجاهة كبيرة، فصار يتحكَّم في الجريدة، لكنه كان يسكن في مكة المكرمة والجريدة في جدة المحروسة. ولا بدّ من إجازة المواد في الجريدة من قبل رئيس التحريركبير الجاه. فكان يتلقى مكالمة من جدة في نصف الليل: أن الجريدة متوقِّفة على توقيعه. فيركب سيارته ويأتي لكي يوقع إجازة المواد بإمضائه ثم يعود. وبعد أن تكرر إزعاجه بضع ليال من عزّ النوم، ترك الجمل بما حمل، وتخلَّى عن رئاسة التحرير لزميله. لكن الزميل بعد أن صلى في الحرم، نشر في صحيفته أنه يوجد قرآن مزوّر في داخل الحرم. وما أسرع ما وصل الأمر إلى وزارة الإعلام، فاستدعت رئيس التحرير، وسألته ما هو التزوير الذي تقصده؟ فقال: سورة الإسراء مكتوب مكانها سورة بني إسرائيل. فقالوا له هذا الاسم صحيح. ثم عوقب بالسحن ثلاث ليال.
ومن عيوب عهد الأفراد، أن رئيس التحرير لا رقيب عليه سوى الوزارة. أما في عهد المؤسسات، فالوزارة وأعضاء المؤسسات رقباء. لكن بعد سيطرة التويتر واليوتيوب والتيكتوك وأشباهها على حياتنا، أصبح عدد رؤساء التحرير مليون محرر، ولا يوجد عليهم رقيب باستثناء وزارة الإعلام بطبيعة الحال.