كما أن الوجه هو أول ما يستقبل أحدنا ممن يقابله، والصوت ممن يسمعه، فكذلك عنوان الكتاب يعطي الانطباع الأول عن مضمونه، أو كما أسماه الشاعر أحمد اللهيب: عتبة العنوان هي العتبة النصية الأهم للولوج للنص الأدبي. وعلى الرغم من أن مضمون أي كتاب هو الأهم، فإننا يجب أن ندرك أن العنوان هو هويّة للنص، يقدم صورة أولى تمنح المتلقي الإثارة والتساؤل.
وهو حقًّا كذلك، ولذلك فقد أولاه الجميع اهتمامًا بالغًا في جميع الأزمان. فقد كان العرب الأوائل مثلاً يجتهدون لكي يجعلوا عناوين مؤلفاتهم مسجوعة؛ وذلك من أجل إكسابها رنّة موسيقية تسهل على القارئ قراءتها وحفظها ثم تذكرها في المستقبل، حتى إن بعض المؤلفين بنى السجعة على كنيته أو لقبه، مثل الأغاني للأصفهاني، ووفيات الأعيان لابن خلكان. وكما نعلم فإن السجع هو تناسب آخر كلمات الفقرات لفظًا، فهو يشبه الشعر لكونه مقفى لكن دون مراعاة للوزن.
صار السجع هو الأصل في القرن السابع الهجري، ثم مرت على العرب موجة بالغوا في طول العناوين وصل بعضها إلى 18 كلمة مسجوعة وربما أكثر، من أبرزها كتاب: الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، للقرطبي.
لكننا إذا أنعمنا النظر في عناوين الكتب اليوم، فإننا نلحظ بلا شك تغيرًا كبيرًا في المزاج العام للكتب، إذ ابتعدت عن السجع وعن الطول، وتحولت إلى الوضوح وطرح الفكرة المباشرة بعيدًا عن المواربة أو الغموض. كما يبدو أن الجو الأدبي العربي العام قد تأثر بالأدب العالمي، وربما الغربي على وجه الخصوص، حين بدأ ينحو باتجاه الكلمات المباشرة والمختصرة أو المثيرة والجاذبة للقراء حتى لو حادت قليلًا أو كثيرًا عن فحوى الكتاب ومضمونه، وذلك تماشيًا مع روح العصر التي تتسم بالسرعة والكلمات البعيدة عن الرتابة.
أما عن العناوين المفضلة للقراء هذه الأيام، فربما تكون “تلك التي تثير فضول القارئ، وتحفز في ذهنه الأسئلة قبل أن يشرع في قراءة أي كتاب”، كما قال الكاتب البحريني حسن مدن.