سوق العمل لدينا في بعض الأحيان، يتعامل مع البشر على أنهم أرقام، وأن كل رقم من الممكن اسنبداله بسهولة. وهذا يخلق شعورا لدي الشباب بعدم الاستقرار والأمن الوظيفي، وبالتالي، يصبح الولاء لديهم، لمن يقدم العرض الأكبر، وكلما حصلوا على عرض أكبر، ولو بألف ريال، يقومون بالقفز من السفينة، فهم يقولون لأنفسهم بأنه من الأفضل أن يغادروا مكانهم قبل أن يتم تغييرهم فجأة لأي سبب كان، سوء تغيير الإدارة، أو تخفيض نفقات، أو إعادة هيكلة.
ولكن ما يحدث مؤخراً، ظاهرة في مستوى آخر في التعامل من قبل الشركات والمؤسسات مع الباحثين عن عمل، أو الباحثين عن تحسين وضعهم الوظيفي.
المعروف أن الموظف لا يستطيع أن يوقِّع على عقد عمل مع شركة أخرى، حتى آخر يوم عمل، بعد أن يقدم استقالته من عمله الحالي.
ويكتفى بعرض العمل المقدم له من الشركة الأخرى كالتزام بين الطرفين.
ولكن لدى البعض لا يمثل العرض والموافقة عليه أي التزام.
وهنا أذكر إبن جاري الذي كان يريد أن ينتقل إلى وظيفة أفضل بالنسبة لمستقبله الوظيفي، وخلال رحلة البحث، تقدم لإحدى الشركات، وأجرى أكثر من مقابلة مع المسئولين فيها، وأخبروه بنجاحه، وقدموا له عرضاً مغرٍ على أن يستقيل من عمله الحالي، لكي ينضم لهم. و بالفعل قدم استقالته. و حين ذهب للشركة الجديدة، اخبروه بأن الوضع تغير، وأنهم ليسوا بحاجة إلى خدماته.
وكنت أظن أنها حاله فردية، ولكني سمعت أكثر من شكوى. وقبل أيام التقيت بأحد الأطباء الذي أخبرني بأنه تعرّض لنفس الموقف.
هذا الطبيب تلقّى عرضاً من مستشفى في مدينه أخرى، و بعد أن خضع لعدد من المقابلات، تم الإتفاق على تاريخ بدء العمل. وبالفعل قدم استقالته من عمله، و ذهب إلى المدينة الجديدة، وأجر شقة وقام بتأثيثها، وعند مراجعة المستشفى لاستلام العمل، أخبروه بأنهم غيروا سياسة التوظيف لديهم، وأنهم لا يحتاجون له.
و فكر في أن يقاضيهم، ولكنه سرعان ما تذكر أنه قد لا يوجد قانون يلزمهم بتوظيفه، وحتّى اذا ما فاز في القضية، والتى قد تستغرق زمناً طويلاً، وصدر الحكم لصالحه، وتم تعيينه في المستشفى الجديد، فإنه بإمكانهم اعتبار أول ٣ شهور كفترة تجربة، ثم إنهاء التعاقد بطريقة رسمية. وبالتالي خسر الوقت والمال في مقاضاتهم.
ولذلك، سلّم أمره لله، وأخذ في البحث عن وظيفة جديدة، وحالفة الحظ بعد عدة أشهر.
لابد أن تكون الشركات مسؤولة عن عروض العمل التي تقدمها، وأن لا تتراجع عنها بعد الاتفاق مع الموظف على كل البنود. وإذا حدث ظرف خارج عن إرادتها، فلابدَّ أن يكون هناك بند يلزمها بدفع تعويض مادي عن هذا التراجع بعد أن يترك الموظف مكانه. وأن يدفع المبلغ في أقرب وقت، كما يجب تعويضه عن النفقات التى تكبدها، خاصة إذا اضطر إلى النقل إلى مدينة اخرى.
نحتاج إلى تدخل الجهات المسئولة عن حماية حقوق الموظف. وعليها دعم الموقف القانوني لكل العاملين .
وقد يقول البعض أن هناك من المتقدمين الذين لا يلتزمون أيضا، ويعتذرون في آخر لحظة، و يقبلوا بعرض شركة أخرى. قد يحدث ذلك، ولكن بالنسبة للشركة، فلديها عشرات المتقدمين، وبامكانها اختيار شخص آخر في وقت قصير، أما الطرف الآخر، والذي قدم استقالته، فلا أحد يعلم متى سيجد وظيفة في شركة أخرى، و قد يضطر للعمل في مجال جديد لا يتوافق مع خبراته، وفي أحيان كثيرة براتب أقل.
الموظف لا يجب أن يكون الحلقة الاضعف في سوق العمل، وأعرف أن وزارة الموارد البشرية تضع القوانين دائما وهي تنظر لمصلحة الموظف أولاً. ولكن بعض المؤسسات تستغل القوانين لمصلحتها، وهو شئ مشروع، ولكن ليس إذا كان يتسبَّب بالضرر للطرف الآخر.