اجتماعية مقالات الكتاب

رحلات مباركة

عزم إبراهيم أن يزور هاجر عليهم السلام في مكة. ولما وصل إلى مكة المكرمة سأل عن دار ولده إسماعيل ودُل عليها لكن وجد هاجر قد ماتت. وفي الدار إمرأة لا يعرفها. فسألها: أين إسماعيل؟ فقالت ذهب للصيد. قال: ومن أنت؟ قالت أنا زوجة إسماعيل. فاستفسر عن أحوالهم. فقالت: نحن في حال ضنك. وشكت من ضيق المعيشة. فقال لها: أبلغي إسماعيل السلام وقولي له يغير عتبة داره. ثم عاد إبراهيم للتو إلى مدينة الخليل حسب مبلغ علمي في فلسطين على حماره.

ولما عاد إسماعيل من مهمته قال لزوجته: هل جاءكم أحد. إني أشم رائحة نسمة مباركة. فقالت: نعم جاءنا رجل عجوز. فقال وماذا قال لك؟ قالت: قال لي قولي لزوجك يغير عتبة داره. فقال: إنه أبي وقد أمرني أن أفارقك. وطلقها.
بعد فترة استأذن إبراهيم زوجته سارة لزيارة مكة المكرمة. وقد قضيت أربعين سنة من عمري أتساءل لماذا لم يمكث إبراهيم بمكة ولو لبضع ساعات ليرى ولده إسماعيل. وفي الرحلة هذه وجد زوجة أخرى كانت لطيفة معه وطلبت منه أن يقبل ضيافتها ولكنه اعتذر وثنى عنان حماره عائدا من حيث جاء دون المكوث في مكة، وقال لها قولي لزوجك يثبت عتبة داره. ولما عاد إسماعيل إلى بيته سأل زوجته ما هذه النسمة الحبيبة التي تعبق في الدار؟ فقالت له نعم جاءنا رجل مبارك ولكنه أعتذر عن قبول ضيافتي. فقال إسماعيل: هل قال لك شيئا؟ قالت: نعم. إنه يأمرك أن تثبِّت عتبة دارك. فقال: ذاك أبي وهو يأمرني بالمحافظة عليكِ زوجة.

وعند تأمل هذه الرحلات، وجدت أن سيدنا إبراهيم زار مكة أول مرة ومعه هاجر ورضيعها إسماعيل. وترك أسرته هناك وحيدين ليس معهما إلا الله. ومكث ما شاء الله في فلسطين ثم ارتحل إلى مكة وقد شبّ إسماعيل وتزوج. ثم رحلة ثالثة لم ير فيها ولده إسماعيل. وهذا كله بلا شك بوحي من الله. وهو ما يستدعي العجب كيف سافر مدة شهر تقريبا وبعد وصوله عاد إلى فلسطين دون رؤية ابنه.

وفي الرحلة الرابعة لإبراهيم، قام ومعه ولده إسماعيل ببناء الكعبة المعظَّمة. ثم أذن بالحج إليها بأمر الله. وفي الحج تقررت شعيرة السعي بين الصفا والمروة سبع مرات كما فعلت هاجر حين كانت مع ابنها الذي يعاني من الجوع حتى أذن الله بانبجاس بئر زمزم.
وقبل بضعة أسابيع، اطلعت على كلام الطبرسي في كتاب “مجمع البيان في التفسير” فقد قال أن إبراهيم استأذن زوجته سارة في الذهاب إلى مكة لزيارة ابنه إسماعيل، فأذنت له ولكن على شرط ألا ينزل عن حماره. وقد التزم بالشرط الذي اشترطته عليه سارة. وبقي لهاجر لسان صدق في مستقبل البشرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *