اجتماعية مقالات الكتاب

جودة الحياة

لا أحد يمكنه تصوّر العواقب السلبية التي يمكن أن يعيشها إنسان هذا العصر مع أجهزته الرقمية وعلى الأخص هاتفه المحمول بالكثير من التطبيقات الرقمية، ولعل أكثرها تأثيراً ما يمكن تسميته بشبكات العزل الاجتماعي. ربما كان من الأفضل توقّف عجلة التقدم أو التطوّر عند استخدام الهواتف المحمولة التي قدمتها شركة نوكيا، التي واجهت صعوبات مريرة في التنافس مع شركات جديدة للهاتف الجوال مثل أبل وسامسونج. حتى لا يقفز القارئ إلى استنتاجات غير محمودة، هذه طبعا وجهة نظر ساخرة.

من هو المجنون الذي يريد أن يعود إلى عصرٍ قديم يقرأ رسالة نصية عبر جواله تحمل هذه العبارة: “جزء من النص مفقود،” أو “لا يوجد مكان لرسالة جديدة.” متى كان ذلك؟ هل يمكن أن يكون عصر نوكيا هذا قديماً إذا نظرنا إلى نسبة ذلك عبر الزمن التاريخي للتقدم؟ أبداً. عجلة التقدم تسير بوتيرة سريعة جداً خاصة إذا عرفنا أن منافسيها سلبوا حصتها من السوق مع بداية 2012. ولكم أن تتخيلوا كيف يمكن أن يكون السباق نحو الذكاء الصناعي ورقمنة الإنسان خلال السنوات القليلة القادمة. كان أول المبشرين في هذا السياق إمبراطور الرقمنة إيلون ماسك، الذي تحوّل مؤخراً إلى السياسة في حكومة ترامب القادمة، والذي يعمل من خلال إحدى شركاته على تجريب زراعة شريحة في الدماغ يمكنها ترجمة نشاط المخ ونقل ذلك إلى أجهزة الكومبيوتر، وذلك بهدف تقديم المساعدة الطبية لبعض من يحتاجها من المرضى. لكن، لا يجب أن ننسى أن هذه شركات تجارية تستهدف الربح ولن تقف عند هذا الحدّ، ولا يمكن الجزم بمستقبل هذه الخطوة. إذن نحن أمام ثورة رقمية ستكون أسرع بالتأكيد من العشر سنوات التي سيطرت فيها الشركة الفنلندية نوكيا على سوق الهواتف الرقمية قبل أن تغرق وتتراجع. لا أحد يمكنه التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه هذه القفزات السريعة للتقدم التقني، خاصة إذا عرفنا أن من يسيطر على هذا التيار الجارف شركات ربحية في سوق تنافسية قاتلة تتعامل مع الأمر بعين واحدة بعيداً عن أي قيمة أخلاقية تردعها. المفارقة الساخرة أن ترى أصحاب هذه الشركات وقد وصلوا إلى القرار السياسي الذي يعني تسهيل الحصول على التشريعات التي تخدم مصالح ومستقبل هذه الشركات.

هل سيأتي اليوم الذي يتمنى فيه العالم العودة إلى عصر نوكيا الجميل حيث الوقاية للصغار قبل الكبار من الآثار السلبية لهذه الأجهزة، التي تتطوّر سريعا في سلب خصوصية الإنسان وصحته وتقولب عقله كما تشاء، من خلال الدعاية والاستهلاك والترفيه القاتل. يتهكّم أحدهم في ركّاب قطار الرياض الجديد ويحّذرهم ساخراً من قراءة الكتب ناسياً أن المسيطر الآن الهواتف الذكية المحمولة وشبكات العزل الاجتماعي التي قضت على أوقات الفراغ، التي ما زال يتحدّث عنها بعض الوعّاظ ويحذّرون منها. جودة الحياة في هذا العصر هو أن يكون لديك وقت فراغ طويل من دون أن يكون في يدك هاتف جوال.

khaledalawadh @

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *