اجتماعية مقالات الكتاب

اقتراض

أشفقت على زيد الذي جاءني وهو يعرج إلى مقر عملي، يطلب مني قرضة حسنة. فقلت له: تعال غداً ريثما أدبِّر لك المبلغ. وفي نفس اليوم توجهت إلى مكتب صديقي عمرو. ولما طلبت منه سلفة إلى نهاية الشهر، سألني: لماذا؟ فقلت له: أريدها سلفة لصديق. فقال: وهل أنت واثق أنه سيعيد المبلغ إليك؟، أجبت بأن السداد مشكوك فيه. فقال لي الصديق الحكيم: ما دمت غير واثق منه، فاعطه نصف المبلغ. فأصررت على مساعدته بالمبلغ على التمام.

في اليوم التالي، جاءني زيد واستلم السلفة المطلوبة. ثم انتظرت شهرين أو ثلاثة لكي يعود. ثم قلت إنه يمر بظروف صعبة. لكنه اختفى أربع سنوات أو أكثر وكأنما ابتلعته الأرض! وذات ليلة طرق باب منزلي، ففوجئت، ورحبت به، وتناولنا معاً طعاماً خفيفاً. وبعد ذلك، إذا به يطلب سلفة جديدة ضعف السلفة القديمة التي لم يشر إليها من قريب أو بعيد. فاعتذرت إليه بظروف لا تسمح لي بتلبية طلبه. وغادر بيتي دون أن أفتح معه السلفة المنسية. ذلك أني لما أعطيته قبل بضع سنوات، لم آخذ منه سندا بذلك.

وبما أن صاحب الحاجة أرعن، فقد علمت فيما بعد أنه متورط في دين كبير. وقد كان صاحب الدين يطلبه بلا هوادة. لذلك لجأ إلى صديق أعرفه. وقد حكي لي الصديق ما تم معه. قال: جاءني زيد وطلب مني خمسة عشر ألف ريال سلفة. فأظهرت له الموافقة بشرط أن يعيد أولا مبلغ بضعة آلاف كان قد استلفها مني من قبل ونسيها. قال وأخبرته أنه إذا جاء بالمبلغ القديم، فإني على استعداد لتسليفه. وفي اليوم التالي حضر إلى المحل ومعه خمسة آلاف ريال لكي يستلم السلفة الكبيرة، وأول ما وصل، استلمت منه المبلغ، ووضعته في درجي. وسحبت من الدرج سنداً كان قد وقَّعه زيد عند استلامه القرضة السابقة وأعطيته إياه.

ثم قلت له: الحمد لله عادت إليّ فلوسي. وأنا آسف ما عندي لك شي. فغضب زيد وتلون وجهه عدة ألوان. فلم يملك سوى مغادرة المحل.

الاحتيال خصلة مذمومة في كافة الأديان لا في الدين الإسلامي وحده، وقد قرأت في كتاب لعسكري هندوسي قال فيه إن والده حذَّره قبل موته من الاستدانة لأنها كبيرة من الكبائر، أما عندنا في الشريعة الإسلامية، فإنه ورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه. ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله”. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت جنازة للصلاة عليها، سأل: هل على الميت دَين؟ فإن قيل لا، صلّى عليها صلاة الجنازة، وإن قيل نعم عليه دين، قال صلُّوا على صاحبكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *