تسعة عقود من الزمن عاشها الأستاذ توفيق الحكيم بين عمالقة الفكر ورموز الأدب ومشاهير الفن وأجيال شتّى من المبدعين على اختلاف مشاربهم وسطر ألوف الصفحات من الكتب ألتي يزيد عددها عن المائة كتاب تناثرت في صفحاتها آراؤه في الحياة والأدب والجمال،عاش وشهد أحداثاً كثيرة، وقرأ وشغل الناس بالثقافة والفكر، والأسئلة والتأمل والدهشة والمعرفة.
ولد توفيق الحكيم بالإسكندرية في 9 أكتوبر عام 1897م. [وإن كان الدكتور إسماعيل أدهم، والدكتور إبراهيم ناجي، يقرران في دراسة لهما عن حياته الشخصية والأدبية، أن تاريخ مولده هو عام 1903م] وبعد أن أنهى المرحلة الابتدائية سنة 1915م، التحق بمدرسة محمد على الثانوية وحصل على شهادتها عام 1921، كانت أمنية أبيه { القاضي }أن يدرس الحقوق ليسلك نفس الطريق، وكانت مهنة المحاماة علامة لعلو منزلة الأسر الاجتماعية، وجودة تعليمها، ولكن الابن الشغوف بالأدب والفنون، كان يرغب أن يشق طريقة نحو مكان آخر، إلا أنه في النهاية، أذعن لرغبة والده والتحق بالحقوق، وتخرج منها عام 1925، والتحق بمكتب أحد المحامين المشهورين، متدرباً لفترة قصيرة، أرسله والده بعدها إلى فرنسا للحصول على شهادة الدكتوراه في القانون.
في كتابه الممتع [زهرة العمر]، يكشف لنا كثير من جوانب حياته الشخصية، ويحكي قصة رحلته آلى فرنسا، ومكوثه بها حتى عام 1928م، دون ان يحقق رغبة أبيه، ومضى يقضى وقته متجولاً على مقاهي باريس التي كانت تكتظ مقاعدها بعمالقة الفكر والفن والأدب، و يرتاد مكتباتها العامة والخاصة يتصفح الكتب ويقرأ المجلات الثقافية والأدبية و مقالات كبار المثقفين الفرنسيين، ويزور متاحفها، ويحضرحفلات الموسيقى والمسرح، غير مهتم بدراسته في الجامعة.
وحين عاد إلى مصر، التحق بوظيفة وكيل نيابة عام 1930م.
تنقل خلال عمله بين العديد من مدن مصر وقراها حتى عام 1934م، وكتب عنها كتابه “يوميات نائب في الأرياف”. انتقل بعدها إلى وزارة المعارف ليعمل مفتشاً للتحقيقات، ومنها لإدارة الموسيقى والمسرح عام 1937، ثم استقال في عام 1944، ليعود مجدداً إلى الوظيفة عام 1954 مديراً لدار الكتب المصرية التي قضى بين جنباتها أجمل سنوات عمله، وانتخب في نفس السنه عضواً عاملاً بمجمع اللغة العربية، وفي عام 1956، عيّن عضوا متفرغا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وكيل وزارة، وفي عام 1959، شغل منصب مندوب مصر بمنظمة اليونسكو في باريس، ليعود إلى القاهرة في أوائل 1960 إلى موقعه في المجلس الأعلى للفنون والآداب وعمل بعدها مستشاراً بجريدة الأهرام ثم عضواً بمجلس إدارتها في عام 1971 م.
كتب توفيق الحكيم القصة والرواية والمسرحية وهو أحد الأسماء البارزة في تاريخ الأدب العربي الحديث، وكانت مسرحيته المشهورة «أهل الكهف» في 1933، بداية متميزة المسرح العربي، وبالرغم من تعدد انتاجه الأدبي، إلا إنه لم يكتب إلا عددًا قليلاً من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح، فمعظم مسرحياته من النوع الذي كُتب ليُقرأ، فيكتشف القارئ من خلاله عالماً من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة، ومن أعماله «شهرزاد، وايزيس، والأيدي الناعمة، وبجماليون، وقصة الرباط المقدس، وعصفور من الشرق، وعودة الروح”.
حصل الاستاذ على توفيق الحكيم على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى في نفس العام.
عن حياة [ الحكيم ]، وانتاجة الأدبي، صدرت العديد من الدراسات، ولعل من أمتع تلك المؤلفات: كتاب{ احاديث مع توفيق الحكيم}. الذي جمع فية الرسام الكبير ألاستاذ صلاح طاهر في عام 1971م الحوارات التي أجريت معه على مدى عشرين عاماً، والتي حكى من خلالها الكثير من القصص الممتعة عن حياته الشخصية والأدبية، ومن تلك الحكايات، قصته مع [ عصاته] التي اشتهر بها، وألفَّ عنها كتابه (عصا الحكيم.)، وهي العصى التي صاحبته منذ عام 1930م يوم كان شاباً يعمل وكيلاً للنيابة في إحدى القرى المصرية، وأمسك بأول عصى في حياته، إشتراها بخمسين قرشاً، قول عنها [وعندما شعرت أنها عاصرتني فترة طويلة، وجدت أنه من اللازم أن أكرمها، فعملت معها حواراً نشرته في كتابي” عصا الحكيم” أما عندما تصاب العصى بأمراض الشيخوخة، أحيلها على المعاش، وأضع عليها ورقة بتاريخ شرائها وتاريخ إحالتها على المعاش، ويقارن (الحكيم) بين حماره وعصاه، فيقول: (عرفتها أو قل حملتها منذ نحو ربع قرن، منذ أن كنت وكيلا للنيابة ومنذ ذلك التاريخ وهى تلازمنى كأنها جزء من ذراعى، تنتقل معى وتسير من مصير إلى مصير، لا تضجر منى ولا تزهد فى صحبتي، لو أنها كانت ابنة من لحم ودم لقالت لى اليوم : دعنى إنى لست من جيلك !! والتفتت إلى زوجها وبيتها !! ولكن عصاى لم تعصنى بل تبعتنى وأطاعتنى وقاسمتنى الأيام البيض والأيام السود ” توفي الأستاذ توفيق الحكيم بتاريخ 26 يوليو 1987م. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.