اجتماعية مقالات الكتاب

الفار بين الذاتية والموضوعية

استكمالا لموضوع كرة القدم بعد مارادونا الذي كتبنا عنه الأسبوع الماضي، وكيف أن تقنية الفار أفسدت تلقائية اللعبة الشعبية الأولى في العالم وإثارتها، يمكن القول أن هذه التقنية جاءت لعلاج مشكلة الخطأ الذي قد يقع فيه حكم الساحة في احتساب ضربة جزاء غير صحيحة، أو هدف تسلّلَ صاحبه، أو لمسة يد لم يفطن لها الحكم، أو رجال الخطوط؛ لكن مع العودة لتقنية الفيديو أثناء المباراة، اتضح أن الأمر أكثر تعقيداً ممّا كان يبدو، لأن الحكم فعلاً يقع في الخطأ، ولا يصل للقرار الصحيح، رغم أنه مكث طويلا أمام الشاشة، وأعاد اللقطة تلو اللقطة، دون أن يصل للقرار الصحيح، خاصة إذا تعلّق الأمر بحالة إعاقة داخل منطقة الجزاء.

نجحت التقنية في حالات نادرة، مثل حالات التسلّل، أو تجاوز الكرة خط المرمى، لكن الجزم بذلك أمر صعب، إذ ثبت أن تقنية الفار لم تنجح بتحديد ما إذا كانت الكرة في “الهدف الشبح”، الذي سجله برشلونة ضد ريال مدريد، قد تجاوزت المرمى، وتبع ذلك لغط كبير، عندما ألغى الفار الهدف، بحجة أن الكرة لم تتجاوز خط المرمى بكامل محيطها.

غضب أنصار برشلونة على هذا القرار الظالم كما يرونه، وانتهت المباراة بفوز ريال مدريد عليهم.
اعتقد مسؤولو برشلونه أن تقنية عين الصقر التي تستخدم خط المرمى، كانت ستحل المشكلة، لكن البعض يرى أن هذه التقنية أيضاً لا تصدق أحياناً.
لماذا الحكم يمضي وقتاً طويلاً في مراجعة حالات الإعاقة داخل منطقة الجزاء، ويتأخّر في اتخاذ القرار، هذا إذا افترضنا نزاهة الحكم، وحرصه على اتخاذ قرار عادل؟

السبب واضح هنا، فالأمر يتعلق بدخول عنصر الذاتية، في مسألة يفترض أنها موضوعية. تقدير الحكم للإعاقة على أنها ضربة جزاء، أو أنها لا ترقى لضربة جزاء، مسألة شخصية ذاتية، لا تستطيع الآلة التعامل معها، أو فهمها. لنفس السبب، يختلف المحلِّلون في الأستوديوهات التحليلية التي تعقب المباراة، مع الحكم، والكثير منهم ينتقد الحكم، ويشكِّك في نزاهته. مسألة تقديرإعاقة اللاعب داخل منطقة الجزاء، تختلف كثيراً عن حالة استخدام تقنية عين الصقر عند تجاوز الكرة خط المرمى. الأولى ذاتية، والثانية يفترض أنها موضوعية. لكن تظل مسألة إخفاء بعض اللقطات، وإظهار بعضها من قبل مخرجي المباريات، شيئاً ذاتياً، وربما يتورّط فيها حكم الفار، الذي يختار ما يريد من لقطات، والاتصال فيها بالحكم بشأنها، ويغفل بعض اللقطات، أو يختار الزاوية التي يريدها للعرض، وربما تكون هناك حالات، لم تتمكّن الكاميرا من اصطيادها أبداً.

قد يلغي حكم الفيديو هدفاً يبدو صحيحاً في نهاية اللعبة بسبب وجود خطأ ما في أول اللعبة التي استمرت لدقائق، ولم يكن بإمكان الحكم إيقافها حتى تنتهي.
لا سبيل لإلغاء الذاتية عند الحكم مهّما تدخّلت الآلة الموضوعية في الأمر.
التقنية لم تقتل الإثارة في كرة القدم فقط؛ بل تكاد أضرارها الجانبية تمتد إلى كل جوانب حياتنا.
يكفي أن ترى طفلاً متسمّرا أمام شاشة هاتفه أو جهازه، لتدرك ذلك.

khaledalawadh @

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *