تحتفل المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع بالذكرى الرابعة والتسعين لليوم الوطني الذي يوافق 23 سبتمبر والذي أعلن فيه الملك عبد العزيز -رحمه الله- بعد سنوات طويلة من الكفاح، توحيد هذه الأرض المباركة على هدي من كتاب الله، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ثم جاء من بعده أبناؤه البررة، ليكملوا هذا الطريق المبارك، حتى وقتنا الحاضر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -حفظهما الله ووفقهما-، حيث نرى اليوم هذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعاً، وقد احتل مكانة مهمة، ومؤثرة، ينظر فيها العالم بعين الإعجاب والتقدير، لكل النجاحات التي نعيشها اليوم.
اليوم الوطني هو مناسبة عزيزة على قلوبنا نتذكّر فيها تلك القصص الملهمة التي عاشها أبناء هذا البلد منذ توحيده وحتى الآن، ولعل قصة الملك عبد العزيز رحمه الله مع أحد جنوده، تعكس النية الصادقة والخالصة لله سبحانه وتعالى، والتي كانت النهج الدائم للمغفور له الملك عبد العزيز في توحيد هذا الوطن الكبير، وإرساء دعائمه تحت راية “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.
لم يتردّد الملك عبد العزيز أن يجلس على الأرض أمام القضاء مع الفارس حمود بن غيام الجبلي الذي قاتل مع جيشه وفي صفوفه. نسرد لكم هذه القصة الجميلة التي بثّتها موجات أثير إذاعة الرياض قبل سنوات في برنامج “حكاية سعودية” الذي تعدّه وتقدمه فاطمة البلوي.
تقول القصة إن حمود بن غيام التحق بداية نشأة الأرطاوية، بجيش الملك عبد العزيز، وترك إبله وكل ما يملك في الصمّان مع أشقائه، الذين حاولوا منعه وإبقاءه معهم، لكنه مضى في طريقه.
كان حمود بن غيام، قد شارك في معركة السبلة سنة 1347هـ، وفي أواخر تلك السنة، كان الملك عبد العزيز، يجهّز لمعركة أخرى، مع خصم يقاتل معه أشقاء حمود، وقبيل تحرّك جيش الملك عبدالعزيز، حاول حمود أن يستبق الأحداث، وذهب للملك وقال: يا طويل العمر، كّل إبلي وجميع ما أملك، أمامنا، والنصر حليفكم بإذن الله، لكن أنا أطلب منك “حلالي”- أي الإبل التي أملكها- يا طويل العمر، فأومأ الملك برأسه الذي كان مشغولاً بالمعركة، وقال: خيراً إن شاء الله.
كما كان متوقعاَ، انتصر جيش الملك عبد العزيز، وانشغل الجميع في البداية، بتوزيع المكاسب من إبل وسلاح، وأودعت في بيت مال المسلمين، ومن ضمنها إبل ابن غيام، الذي ذهب إلى الملك يذكّره، لكن الملك ردّ عليه، وقال لا أذكر أني وعدتك بشيء، ولعلك تكلّمت معي، وأجبتك وأنا منشغل بخطط وهموم المعركة. والآن الحلال (أي الإبل) دخلت بيت مال المسلمين، ويحمل شعار الحكومة ولم أعد أملكه، ثم من يضمن لي أن الحلال الذي تدّعيه حلالك؟ لماذا لا يكون حلال إخوانك؟ عندها قال ابن غيام: إذن، يفصل بيني وبينك الشرع (أي القضاء) يا طويل العمر. قال ابن غيام هذا في مجلس الملك المحتشد بالحاشية وشيوخ القبائل والزوار، وكان من ضمنهم قاضي الأرطاوية. كان الملك قد سبق القاضي وهو يردّد: الشرع فوق الجميع. ثم نزل فوراً من كرسيّه بعد ما خلع عقاله المقصب (الشطفة)، وتربّع الى جوار خصمه على الأرض أمام القاضي. طلب الحضور من الملك عبد العزيز أن يعود الى كرسيّه فرفض، وقال كلّنا الآن سواسية فالشرع هو ميزان العدل ولا صغير أو كبير فيه.
وما بين الدعوى والإيجاب بين المدعي والمدعى عليه، طلب القاضي نهاية الجلسة يمين المدعي الذي وافق عليه، وبينما كان يستعد لأدائه رفع الملك يده طالبا منه التوقف قائلا: لا تحلّفه يا شيخ. اذهب وخذ حلالك اللي يخصك يا ابن غيام.
فخرج ابن غيام على الفور وأسرع الى المسؤول عن رعايا الكسب، وقام بعزل ما يخصه فقط وهي 16 ناقة من أصل 67 ، وكان من ضمن إبل إخوانه ناقة طيبة ومعروفة تحمل اسم (ذروة)، وكان معه أثناء الفرز ابن أخيه الصغير، الذي كان يركض خلفه طوال الفرز، ويحثّه باكيا:” تكفى يا عمّي! خذ “ذروة”، واترك واحدة من نياقك بدلاً منها، فيرد عليه حمود: من يفكّني من النار وأنا عمّك إن عصيت ربي، وخنت إمام المسلمين.
يُقال إن الملك عبد العزيز، عند ما علم بالأمر، أمر أن تُردّ له ذروة.
انتهت القصة، لكن الذي لم ينته، هو آثار هذه الروح الإسلامية العالية التي يحملها الملك عبد العزيز ورجاله الذين أرسوا دعائم هذا الوطن المترامي الأطراف بمثل هذه المواقف الرمزية الثرية التي نتذكّرها في مثل هذا اليوم.
khaledalawadh @