اجتماعية مقالات الكتاب

محمود تيمور.. رائد القصة العربية الحديثة

في كلمة بليغة، يقول عنه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، واصفاً المكانة الأدبية المرموقة التي وصل إليها الأستاذ محمود تيمور (فإذا قيل إنك أديب مصري ففي ذلك غض منك، وإذا قيل إنك أديب عربي، ففي ذلك تقصير في ذاتك، وإنك لتوفى حقك إذا قيل أنك أديب عالمي، بأدق معاني الكلمة، وأوسعها، وأعمقها، ولا أكاد أصدق أن كاتباً مصرياً- لم يكن شأنه- قد وصل إلى الجماهير المثقفة، وغير المثقفة، كما وصلت أنت إليها؛ فلا تكاد تكتب، ولا يكاد الناس يسمعون بعض ما تكتب- حتى يصل إلى قلوبهم، كما يصل الفاتح إلى المدينة التي يقهرها فيستأثر بها الاستئثار كله).

وفي كتابه الرائع:[.بحوث ودراسات أدبية]، يستعرض الاستاذ الدكتور سيد حامد النساج، ملامح من حياة الكاتب والأديب الأستاذ محمود تيموررائد القصة العربية الحديثة، الذي ينتمي لأسرة اشتهرت بحبها وعشقها للأدب والعلم وخدمة العلم، فوالده العلامة أحمد تيمور”باشا “، كرّس حياته وماله لخدمة التراث والأدب العربي، فترك إرثاً عظيماً للأدباء والعلماء من بعده، وهي المكتبة التيمورية، والتي لا زالت موجودة إلى يومنا هذا قائمةً في دار الكتب المصرية، وعمته الشاعرة عائشة التيمورية، والتي سطع نجمها في عالم الفكر والأدب والثقافة، أما شقيقه فهو الأديب الكبير محمد تيمور (1892 ـ 1921)،  الذي رحل في سن الشباب، تاركاً أثراً كبيراً يفوق سنوات عمره،حيث توفي وهو في التاسعة والعشرين من عمره، بعد ما حفر لاسمه مكانا بارزًا في مجال الفكر والأدب والثقافة، وفي” دارة” أحمد تيمور باشا، كانت تقام الندوات الأدبية التي تضم العديد من الأدباء، والعلماء، والشعراء، مثل الشيخ محمد عبده، والشيخ الشنقيطي، والشاعر محمود سامي البارودي، وغيرهم الكثير من رجالات الأدب، والعلماء، والشعراء، وكان والده يحرص على أن يحضر ابنه الشاب محمود تيمور هذه المنتديات الرائدة، ووسط هذا المزيج الثقافي، وجد نفسه في بيئة خصبة، أنجبت لنا ذلك الكاتب القصصي الفذّ الذي أضفى على الساحة الأدبية مزيجًا فريدًا من دماء التجديد.

وُلد محمود تيمور في 16 حزيران من عام 1894م، في حي درب السعادة الشعبي في القاهرة، وبعد أتم دراسته في المرحلة الابتدائية، التحق بمدرسة الزراعة العليا، ولكن سرعان ماغادرها بسبب إصابته بمرض التيفوئيد ، وانقطع عن الدراسة، غيرأنه وجد في القراءة والمطالعة، ما يشغل به وقت فراغه، ويقلِّل من آلامه، ويقضي به على ملله، فتفرّغ لدراسة الأدب العربي والآداب العالمية، وكان ذلك بتشجيع من والده وشقيقه الأديب الكبير محمد تيمورالذي ،شجعه لقراءة كتاب (حديث عيسى بن هشام) للمويلحي، وقصة (زينب) للدكتور محمد حسين هيكل، إلى جانب الكتب والروايات التي قرأها للعديد من الكتاب والأدباء الأجانب، الذين تأثر بهم،ومنهم بالأديب الفرنسي موباسان، والأديبين الروسيين تشيكوف وتورجنيف.

وتأثر كذلك بحياته في حي «درب سعادة» الشعبي –الذي ولد فيه، وهو الحي الذي يجمع أناساً من طبقات مختلفة، ويتألف سُكّانه من الصُنّاع والتُّجار وأرباب الحرف المتوارثة من كل فنّ وصنف، وشرّبت أنفاسه بأساليب العيش في هذا المجتمع المصري الصميم، منذ يَفاعَته،واختزنت ذاكرته أسراباً من صور الحياة الحافلة بالشخصيات الواقعية المتميزة بنَمْذَجَتها، وأعاد رسمها أبطالاً لقصصه،عندما أصبح قاصاً معروفاً ومتمكناً، ثم ما لبثت أسرته أن انتقلت إلى (ضاحية عين شمس)، فكان ريفها البالغ الجمال، ينبوعاً لوجدانه المرهف، يغذِّيه بألوان الشاعرية، ويفجِّر في داخله ملكات الإبداع، كما كان لشقيقه الأكبر الأديب (محمد تيمور)، دور فعّال في تنشئته الثقافية،لذلك اعتبره (محمود) بمنزلة أستاذ بارع له، وخير موجّه لطاقاته ومواهبه فتأثر به واحتذى حذوه في كتابته لأقاصيصه الأولى.

كان«تيمور» فى بداية حياته، يميل إلى الرومانسية، كما استهوته مدرسة المهجر، ثم الواقعية،وانتهت المفاضلة بين الرومانسية والواقعية،إلى تغّليب الواقعية،إلا أن الرومانسية لم تذهب تمامًاعن كتاباته، وظهرت لاحقًا فى عدة قصص، وكانت أول قصة قصيرة كتبها فى 1919 بالعامية، ثم تتابعت مؤلفاته عبر سنوات حياته، فاصدر ” الشيخ سيد العبيط و ” رجب افندى ” و ” الحاج شلبى ” و غيرها. و كتب روايات رومانسيه طويله منها: ” نداء المجهول ” التى كانت من المقررات المدرسيه فى مصر ، و ” كليوباترا فى خان الخليلى” و سلوى فى مهب الريح، و مسرحيات استوحاها من التاريخ القديم، ويزيد عدد ما أصدره الأستاذ محمود تيمور من قصص وروايات على خمسين عملًا، ما بين قضايا عصرية وتُراثية وتاريخية، فضلًا عن روايات استوحاها من رحلاته.

وقد حظي إنتاج الأستاذ محمود تيمور القصصي والروائي،بعناية المترجمين، حيث ترجمت كثير منها قصصه للعديد من اللغات الأجنبية، كما نال إنتاجه القصصي جائزة مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1366هـ / 1947م)، وما لبث أن عُيِّن عضوا فيه عام (1368هـ / 1949م)، ومنح جائزة الدولة التقديريه سنة 1963، كما حصل على العديد من الجوائز الأدبية.
تُوفى -رحمه الله- فى 25 أغسطس 1973، فى مدينة لوزان بسويسرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *