إبراهيم إسحق إبراهيم، روائي وكاتب قصة قصيرة سوداني فضّله بعض النقّاد على الطيب صالح؛ غير أنه لم يحظ بالتقدير الذي يستحقّه في الوسط الأدبي العربي. عمل إسحق في المملكة العربية السعودية مدرّسا للغة الإنجليزية بعد أن قضى فيها عقدين من الزمن أو تزيد دون أن ينتبه له أحد. حاول الروائي السوداني الكبير الذائع الصيت الطيب صالح أن يلفت انتباه المثقفين هنا في السعودية أثناء زياراته لمهرجان الجنادرية الثقافي وأن يكشف موهبة إسحق الذي كان يقيم في مدينة الرياض. يقول الطيب صالح:” إبراهيم إسحق كاتب كبير حقا. اكتسب سمعته بعدد من الروايات الجميلة التي قدّمت لأول مرة في الأدب السوداني صوراً فنية بديعة للبيئة في غرب السودان وهو عالم يكاد يكون مجهولا لأهل الوسط والشمال.”
انتهى كلام الطيب صالح، لكن المثير للتساؤل هنا هو سر هذا الغياب لروائي موهوب كإبراهيم إسحق عن الوسط الثقافي السعودي إذ أن هذا الروائي مكث بيننا في السعودية أكثر من عشرين عاما. هل الأدب السوداني يعيش في عزلة عن الأدب العربي بشكل عام، أم أن هناك أسباباً أخرى، هذا إذا أردنا استثناء اسمين سودانيين كبيرين في عالم الرواية والشعر هما: الطيب الصالح ومحمد الفيتوري، اللذيْن استطاعا تجاوز الحاجز الذي يمنع الأدباء السودانيين من الانتشار عربيا؟
كانت الساحة الأدبية السعودية، في الوقت الذي كان إبراهيم إسحق موجودا فيها منذ مطلع الثمانينات، تعجّ بأسماء وأعمال أدبية عربية من الشام والعراق ومصر والمغرب، لكن من النادر أن تجد صفحة أو ملحقاً ثقافيا في الجرائد السعودية يتحدّث عن أدباء سودانيين موهوبين من أمثال إبراهيم إسحق الذي قال عنه الناقد محمد المهدي بشرى: “إسحق سارد عظيم في رواياته ومجموعاته القصصية مثل الطيب صالح؛ لكن عندي إن إسحق في القصة القصيرة مقدّم على صالح كمّا ونوعا”.
من وجهة نظر شخصية، ومن خلال روايتين بديعتين هما :”أخبار البنت مياكايا” و “وبال في كليمندو”، يمكن القول إن الأسلوب الذي يكتب به إسحق، يقترب من الأسلوب الذي يكتب به إيرنست هيمنجوي، فهو يسجّل ما يراه وما يسمعه بطريقة دراماتيكية. يستخدم إسحق الحوار بين الشخصيات دون أن يتدخّل بترجمته إلى اللغة العربية المعيارية الفصيحة، بل يترك الشخصيات تتحدث بالعربية السودانية إلى الدرجة التي وضع فيها مسرداً بالمصطلحات في نهاية روايته “أخبار البنت مياكايا”، لتوضيح بعض الغموض في المفهوم، لكنه يعود إلى اللغة العربية الفصحى، عندما ينتهي الحوار بين الشخصيات، ويتحوّل إلى السرد الموضوعي، كما لو كان القارئ أمام كاميرا تصوّر ما يحدث بأسلوب سردي أخّاذ. فقط الموهوبون من أمثال إسحق وهيمنجوي، ينجحون في كتابة هذا النوع من السرد. عالم إسحق موغل بالبيئة المحلية، إذا أردت أن تفهم دارفور، والطبيعة الديموغرافية لتلك المنطقة، والقبائل العربية (مثل عائلة الكباشي التي صاحبت إسحق في رواياته وقصصه)، والأفريقي، وكيف جاءت ميليشيا الجانجويد، التي أصبحت لاحقاً قوات الدعم السريع، فليس هناك أفضل من قراءة روايات، وقصص هذا الكاتب المبدع، الذي لم ينصفه النقد الأدبي العربي، وأغفل طيباً صالحاً آخر من السودان.
khaledalawadh @