في ريعان الشباب، كان زيد يمر أثناء ذهابه كل صباح إلى عمله سيراً على الأقدام، برجل كبير في السن جالساً على دكّة. وكان إذا اقترب منه، قال: السلام عليكم. فيجيب الشايب: وعليكم السلام يا خير الناس. وكان زيد يزدهي بهذا الثناء الذي يرن في أذنيه كمثل إيقاع كمنجة. واستمر على ذلك فترة. ثم قال زيد لنفسه لربما إذا تزوجت لرفعني إلى درجة أعلى. لربما قال لي: يا سيد الناس، أو يا قدوة الشباب، أو يا تاج رأسنا. فتوكل على الله وتزوج، وغاب خلال شهر العسل عن العمل. ولما عاد، مرّ في طريقه إلى عمله، على صاحبه، فألقى عليه السلام، وإذا بالشايب يرد عليه بالقول: وعليكم السلام يا مثل الناس.
وسنأتي على بقية القصة، وهي ليست من كيسي، بعد استعراض تجاوب القراء من أقطار عربية مختلفة، مع عمود “إدريس” المنشور الأسبوع الماضي.
الدكتور محمد الكاف: للأسف في المجتمع القبلي البدوي في المملكة يكثر الحلف بالطلاق.
تعقيب من صديق كان يعمل في إحدى الشركات في ينبع الصناعية: زميل محام من السودان الشقيق كان يردّد “عليّ الطلاق” عدة مرات في أحاديثه، فحذّرته من ترديد هذه العبارة لآنها ملزمة، فقال المحامي: لا.. لا، هذه ليست مقصودة.
ماهر إسماعيل: أذهلني أنك واسع الاطلاع والغوص في خبايا الثقافة والسينما المصرية واستشهادك ببطلان زواج عتريس وفؤاده.
المحامي عبد الحميد بشناق: يا ليت أئمة المساجد يتكلمون عن كلمة “عليا الطلاق” وجهل بعض الأزواج حين يرمونها.
الأستاذ سراج عبد ربه: إنها عبرة دينية واجتماعية لمن يريد أن يعتبر.
الأستاذ عليّ بانافع: ظاهرة سيئة نسمعها من كثير من الناس الحلف بالطلاق للأسف، وخاصة يافع، وكثير من أبناء الشمال.
هلال الكثيري: موضوعك هذا ذكرنا بأمر آخر وهو التهاون بين الناس في الحلف باليمين على كل شاردة وواردة.
وبعد هذا الاستطراد نعود إلى قصة زيد.
انتظر بفارغ الصبر ليأتي الصباح، ويذهب إلى عمله. وعند وصوله إلى دكة الشايب، ألقى عليه السلام لعل وعسى. لكن الشايب كرّر قوله: وعليكم السلام يا مثل الناس. لا حول ولا قوة إلا بالله. وبعد شهور لم يشأ الله أن تحمل زوجة جمال، فقرر أن يفارقها كي يستعيد المنزلة التي أضفاها عليه الشايب، فسلمها ورقة الطلاق. وانتشر الخبر في الحي بأن زيدا طلق زوجته. ولا يجوز السؤال عما كان بين الزوج وامرأته. ثم توجه زيد إلى عمله كعادته وسلم على الشايب فقال الشايب: وعليكم السلام يا أخس الناس.
آه. الصفعة كانت قوية ومباغتة. والشاعر البحتري قديما صور لنا مثل هذا الموقف في قوله:
وكأن الزمان محمو لا هواه مع الأخسِّ الأخسِّ
وأيقن زيد أن الكمنجة قد انكسرت، وما لها جبر.