تعتبر الحدود الخفية ، سواء الزمنية أو المكانية، عنصرًا أساسيًا في خلق بيئة عمل صحية، هذه الحدود تشبه تلك الأسوار التي نراها في الحدائق العامة، حيث تفصل بين أنواع النباتات بألوانها وأشكالها المختلفة، ممّا يضفي عليها جمالًا وتنسيقًا. كما تحدد مواعيد وأوقات معينة لزيارة الحدائق.
ينطبق نفس الأمر على العمل، إذ يتطلب وضع حدود وأسوار خفية للحفاظ على الجهد والوقت والصحة، هذه الأسوار تتيح لنا إنهاء الأعمال اليومية والتخلص من الأعباء وضغوط العمل، ممّا يوفر وقتًا وجهدًا للراحة والاسترخاء والاستمتاع بالحياة الخاصة.
في عصرنا الحالي، تتداخل هذه الحدود أو الأسوار بشكل كبير بسبب وسائل التواصل والبريد الإلكتروني التي تعمل على مدار الساعة، إضافة إلى الاجتماعات الطويلة والمكالمات الهاتفية المستمرة، خاصة أثناء العمل عن بعد. هذا النوع من بيئة العمل يقود العاملين إلى الاحتراق الوظيفي.
وضع الحدود في العمل، يزيد من الإنتاجية ويقلِّل التوتر والصراعات الاجتماعية، ممّا يقلِّل من الخلافات ويعزِّز الصحة النفسية والتوازن الوجداني، كما يساعد على بناء علاقات مهنية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.
يبقى أمامنا، مناقشة كيفية وضع هذه الحدود، مثل فهم ثقافة المنظمة، والقيِّم الشخصية والمهنية التي تحدد أولويات العمل والسلوكيات المطلوبة، وأيضا يجب أن يكون هناك تواصل فعال يوضح أهمية الحدود بين الإدارات والزملاء وكيفية تطبيقها أثناء ساعات العمل. ينبغي أن لا يكون هناك تسامح في تخطِّي الحدود إلا في حالات الطوارئ القصوى، ويجب أن يعتاد الزملاء على المصارحة والمواجهة والنقاش حول أهمية الحدود في العمل واحترامها.
التكنولوجيا وأدواتها تلعب دورًا كبيرًا في وضع الحدود ضمن ثقافة العمل في المنظمة، من حيث أوقات العمل ومواعيد الراحة وإعداد الردود التلقائية على البريد الإلكتروني والتطبيقات التعاونية.
أخيرًا، أؤكد بقوة أن هذه الأسوار تشبه الذهب الذي يجب أن نكتنزه ونقتنيه ونعمل به، إنها الأساس لبيئة عمل صحية تؤدي إلى زيادة الإنتاجية واحترام الحقوق الشخصية والإنسانية للعاملين.