فيما كنت أطالع الكتاب الجديد الذي أصدره الأستاذ محمد عمر العامودي، ويضم مقالاته الأسبوعية تحت عنوان: “حديث الأربعاء، استرعى انتباهي ما ذكره المؤلف من أن وزير التعليم العالي اتصل به استجابة لمقاله في حدود عام 1415ه، حول إعادة النظر في سن التقاعد لأستاذ الجامعة.
لقد انتهى وانقضى عهد كانت فيه الصحافة مرآة المجتمع، إذ كانت الصحافة لسان الناس، بل كانت منذ عهد أحمد شوقي المتوفي عام 1932م بحسب وصفه لها:
لكل زمان مضى آيـة وآية هذا الزمان الصحفْ
لسان البلاد ونبض العباد وكهف الحقوق وحرب الجنف
وقد اشتكى لي ذات عام، حينما كنت في مركز معلومات مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، الدكتور الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان، من أن محتويات الصحف أصبحت لا شيء، فقلت له: يا شيخي العزيز توجد في الجريدة ما بين 20 إلى 30 صفحة يومياً، فلو افترضنا أنها فارغة، ففيها على الأقل صفحة واحدة تستحق المطالعة، بل ربما عمود من أعمدة الرأي يستاهل الريالين المدفوعيْن لشرائها، وقد صادق على كلامي، فلا أدري أهي مجاملة لعدم الخوض في جدل، أم أنه -رحمه الله-، اقتنع.
لكن القراء للصحف، تناقصوا منذ العام 1415ه، الذي نشر فيه مقال الأستاذ العامودي، وهذه الظاهرة شملت الصحف في العالم كله. وأذكر أن الكاتبة المصرية سناء البيسي قالت في أحد مقالاتها في الأهرام، إن الصحيفة لم تعد قادرة على توفير رواتب العاملين فيها. وقال رئيس مجلس إدارة الأهرام الأستاذ عبد المحسن سلامة في مقال منذ بضع سنوات، إن الأهرام تباع بجنيهين ولكي تغطي التكاليف فينبغي أن يرتفع سعر النسخة الواحدة إلى 10 جنيهات.
ونتيجة لهذا التناقص، بلغ الرجيع من الصحف أكثر من 90%. ورأت المكتبات والبقالات التي كانت تبيع الصحف، عدم جدوى الجهد اليومي لاستلام الصحف في الصباح وإرجاعها في المساء مع ما يلزم لذلك من تسلم واستلام وعد المبيعات وتسليم القيمة. فلم تعد هناك أي قيمة، وذلك أدى إلى تسكير نظام توزيع الصحف، ففي جدة كان اسطول التوزيع أكثر من 100 حافلة صغيرة تتحرك في الأحياء الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية من حدود شرم أبحر إلى الخمرة بل وإلى مكة المكرمة والليث ورابغ، وأصبح الجمر رماداً ، وتوقفت أيضا الإعلانات الصحفية، ومنها إعلانات شركة أرامكو التوعوية، وتراكمت الخسائر داخل المؤسسات الصحفية، ولم تعد الصحف آية هذا الزمان كما قال أمير الشعراء، وحل التغريد على منصة تويتر محل الصحافة.
وإن المرء ليعجب كيف أن الصحافة رغم كوادرها العالية التأهيل، لجأت إلى بيع ما تاجرت فيه من عقارات قبل 30 سنة، وهو حل جزئي ومؤقت، ولم تعد الصحافة مرآة المجتمع، وارتاح كثير من المسؤولين من النقد، فهل من حل لا يجوع فيه الذئب ولا تفنى الغنم؟