اجتماعية مقالات الكتاب

غازي القصيبي .. في ذكراه 2/1

أن تكونَ كاتبًا حاضراً رغم مرورِ الزمنِ والسنين، وأن تظلَ مستمرًا مع القارئِ، رغم ظهورِ كُتَّابٍ ومبدعين على مرِّ الأجيالِ، فتلكَ هي أعلى درجاتِ الجودةِ فى الكتابةِ، وذلكَ أجملُ حلمٍ ينشدُه كاتبٌ. وغازي القصيبي -رحمه الله رحمة واسعة-، كان كاتبا يملك الكثير من مقوماتِ الكتابةِ الحقيقية، والباقية، عبر لغةُ دافئة قريبة من قلبِ وعقلِ قارئه معًا، فالقاريء هو المقياسٌ القويٌّ، وشديدُ المهارةِ لقياسِ صدقِ وأصالةِ الكاتبِ وابداعه.

نحو عقد ونصف من الزمان مضت منذ رحيل الدكتور غازي القصيبي، الوزير والسفير والأديب الذي
توفي -رحمه الله- في 15 أغسطس من عام 2010م، عن عمر ناهز السبعين عاماً، بعد حياة حافلة بالعطاء في شتّى المجالات العملية والعلمية والاجتماعيةء،والأدبية.

ولد الدكتور القصيبي عام 1940م في الإحساء، لعائلة ذات مكانة اجتماعية وثقافية، كانت تنشط في تجارة اللؤلؤ، وكان والده يلقب بشيخ اللؤلؤ. توفيت والدته بعد شهور من ولادته، فكفلته جدته لأمه التي عوضته عن جزء كبير من حنان أمه.

عن تلك المرحلة، يقول : “ترعرعت متأرجحاً بين قطبين أولهما أبي، وكان يتسم بالشدّة والصرامة، وثانيهما جدتي لأمي، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية”. بعد حصوله على الثانوية العامة، اتجه إلى القاهرة، حيث حصل على درجة البكالوريوس من كلية الحقوق في جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا . ثم نال شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن، كما أوضح ذلك في كتابه: [حياة في الإدارة].

ورغم تنوع مهامه العملية وتعددها، كان للأدب المكانة الأهم لديه، حيث تجاوزت مؤلفاته الستين مؤلفاً من الدواوين الشعرية والروايات، إضافه إلى سيرته الذاتية التي قدمها، لتعبر عن مواقفه
وآرائه على كافة الأصعدة : فهو شاعر كبير، وروائي بارع، وكاتب مبدع، روح الكاتب فيه صافية تتطلع من موقع إنساني ممتاز إلى الحياة والكون، تراقب الزمان وتستخرج الكلمات من المكان، وتستوقفك في كل كتاباته، نضوج الفكر، وجمال الموقف الإنساني، وعذوبته، والقدرة المكتملة على التعبير الدقيق الخالي من الحشو، والجمل كأنها أغصان أحسن تهذيبها تتكون في بطء وأستاذية دون أن تفقد صلتها بتيار الحياة والناس.

وفي مقدمته لكتابه [سيرة شعرية] ، الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1400 هجرية، يقول الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- : يمثل هذا الكتاب سيرتي الشعرية، ويقف عند هذا الحدّ، ولايكاد يتجاوزه ، بمعنى أن أن الكتاب يتحدث عني كشاعر فحسب ، ثم يضيف : على أن فصل السيرة الشعرية عن السيرة الذاتية، أمر بالغ الصعوبة، ذلك أن الشعر لايمثل وجه واحد من شخصية الإنسان الشاعر. ولقد حاولت أن اتغلب على هذه الصعوبة، بأن أورد في أماكن متفرقه من الكتاب، أجزاء من السيرة الذاتية لم يكن هناك بدّ من ايرادها.

وعن بدايته الشعرية يقول : يصعب عليّ الآن، وأنا أقفز قفزاً إلى بوابة الأربعين، أن أعود بذاكرتي إلى اليوم الذي بدأت فيه علاقتي بالشعر ، إنني واثق أو أكاد أكون واثقاً، إن هذه العلاقة لم تولد مع اليوم الذي كتبت فيه شيئا كنت أتصوره وقتها قصيدة، بل ولدت قبل ذلك بفترة طويلة، ذلك أنني كتبت أول قصيدة في سن الثانية عشرة، ولكنني كنت قبل هذه السن، مولعاً بالشعر، وكنت بالتأكيد مولعاً بالأدب، ولكنني أذكر تماما أنني قبل أن أبلغ العاشرة، قرات كافة كتب كامل كيلاني وتجاوزتها إلى مجموعة طيبه من روايات يوسف السباعي، وبالنسبة للشعر، فقد بدأت قراءته في حوالي الثانية عشرة من عمري، بشاعرين مفضّلين هما: شوقي وحافظ، وحفظت جملة لابأس بها من شعرهما، وفي سن الرابعة عشرة، اكتشفت شاعرًا ثالثًا مفضّلاً، هو محمد مهدي الجواهري، ثم التقيت بشعر عمر أبو ريشة الذي دلني عليه الأستاذ علي سيار صاحب جريدة صدى الأسبوع في البحرين، والتي بدأت أنشر بها قصائدي إلى جانب جريدة القافلة، وكان لقائي بالشاعر عمر أبوريشة نقطة تحول في مساري الشعري، وبعدها انتقلت لقراءة شعر نزار قباني الذي اكتشفت تحرره من شعر التفعيلة، ثم التقيت خلال مسيرتي الشعرية، بشاعرين كبيرين كان شقيقي{ نبيل} -رحمه الله- يعتبرهما من أعظم شعراء العرب في القرن العشرين، وهما أبو القاسم الشابي والأخطل الصغير، ثم اكتشفت إبراهيم ناجي والسياب وإيليا أبو ماضي وابراهيم العريض غيرهم، وأضاف أنه قرأ للعديد من الشعراء القدامى، لشعراء المعلقات، وأُعجب بشعر جرير وعمر ابن أبي ربيعه والعباس بن الأحنف والشريف الرضي والشعراء العذريين وغيرهم، إلا أن أحداً منهم لم ينل في قلبه المكانة التي نالهاالشعراء المعاصرون ..( يتبع )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *