توافد المصلون لصلاة الفجر تباعاً حتى كاد المسجد أن يمتلئ بهم فمنهم من يصلي ركعتي الفجر ومنهم من وقف دون أن يركع حيث انتهى به مكانه في الصف الرابع أو ما بعده. وحان وقت الصلاة لكن الإمام لم يأت ولم تقم الصلاة بإمام بديل. ومرت الدقائق بطيئة ولا أقول ثقيلة. وبعد أن زاد الترقب أكثر من عشر دقائق ،لم يتمالك بعضهم نفسه من الصياح “أقيموا الصلاة”. وأخيرا خرج الإمام من خوخة بالقرب من المحراب فتنفس المتعجلون الصعداء.
أحاول أن أتصور التفاصيل هنا:
كان الإمام قد تلقى اتصالا بأن جنازة ستحضر للصلاة عليها بعد صلاة الفجر. لم يكن عنده ظرف طارئ ولا وعكة ،وهو يعلم أن كرامة الميت دفنه. لكنه أيضا تلقى اتصالا آخر بقرب وصول جنازة ثانية فكان مترقباً لها ولذلك تأخر عن الصلاة. لكن لما شعر أن الجو يوشك على الإسفار، خرج وصلى الفجر بالناس صلاة خفيفة وبعد ذلك أعلن عن صلاة الجنازة على الرجل.
800 مأموم تقريبا حضروا لكن من بينهم من لا يعلم أن الجنازة هي لشخص آخر غير الذي جاؤوا للصلاة عليه. كلما زاد العدد بركة ونعمة. وقد دعوا: اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله. وكثير منهم ابتهلوا إلى الله: اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفرانا. حظ الميت الأول دعا له ما لا يقل عن 700 مصل. ثم خرجوا إلى المقبرة. بالنسبة لي فعازم على أن أكمل الشعيرة مهما تأخر الإمام. لأني مع تشييع الجنازة سوف أزور أخي -رحمه الله- دفين تلك المقبرة، لكني لم أنتظر الجنازة الثانية لأني لم أكن أعلم عنها مثلي مثل مئات المصلين الآخرين. وتوجهت إلى قبر أخي طه وسلمت عليه ودعوت له ولوالديّ وقرأت الفاتحة لكل ساكني القبور هناك الذين يترقبون أي هدية، بعد فوات وقت العمل.
ولما عدنا من التشييع، إذا بثلة قليلة من الناس يحملون نعشاً، وهو الذي كان الإمام يترقب وصوله. الله أعلم سبب تأخره. لكني واثق أن الإمام معذور. ما خطر ببال المتململين قبل صلاة الفجر في يوم الجنازتين أن عشاق كرة القدم ينتظرون ساعات في الملعب قبل بدء المباريات، لكننا نستعجل في المساجد، وما أبرئ نفسي، ولا نعبأ للوقت الذي يمضي مع كرة القدم، أو في بشكة بلوت أو تربيعة ضومنة، وحين رأيت النعش الآخر، وأظنه لامرأة، تحقق ما كنت موقناً به أن الإمام معذور بل مأجور على اصطباره. وأن الذين صاحوا احتجاجاً على التأخير، كانوا مخطئين لأنهم خرموا هيبة المسجد ووقار الموت الذي كان دون أدنى شك يحوم حولهم، ويحوم أيضا-خلي بالك- بجواري.