كان الدكتور عبدالله مناع -رحمه الله- ،أحد الأطباء الذين استهواهم الفكر والأدب والفن، فغادر بعضهم عيادته وتفرغوا له.
تقول بطاقته الشخصية إنه من مواليد مدينة جدة عام 1359هـ، ومن مدارسها حصل على الشهادة الابتدائية والكفاءة المتوسطة والثانوية العامة القسم العلمي وابتعث إلى مصر أوائل عام 1957م والتحق بكلية طب الأسنان في جامعة الإسكندرية، ومن هناك بدأت رحلته مع الصحافة حيث لم تشغله دراسته عن مراسله جريدة “الرائد” التي كان يراس تحريرها الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين ،وكان يكتب على صفحاتها زاوية أسبوعية بعنوان :”من أيامي”، كما نشر قصة مسلسلة في تسع حلقات بعنوان :”على قمم الشقاء” ،وبعد تخرجه وحصوله على بكالوريوس في طب وجراحة الفم والأسنان سنة 1962م ،عاد إلى أرض الوطن وعين طبيباً للأسنان بالمستشفى العام في جدة دون أن يقطع صلته بالصحافة حيث واصل مشواره الأدبي والصحافي بالكتابة في جريدة “المدينة”، وكتابه زاويته الأسبوعية في جريدة “الرائد” ،وردوده على بريد القراء بتوقيع: “ابن الشاطئ”، وإلى جانب يومياته في جريدة المدينة وزاويته الأسبوعية “شيء ما”، كان يحرَّر صفحة يردّ فيها على مشاكل القراء بعنوان: “الباب المفتوح” ،وبعد عشر سنوات من العمل في وزارة الصحة ،غادرها عام 1972م وتفرغ لعيادته وقلمه، ثم ترك طب الأسنان عام 1974م ليتولى تأسيس وإصدار مجلة “اقرأ” بعد أن تم اختياره رئيساً لتحريرها، فشكّل جهازها وتم صدور العدد الأول منها في شوال 1394 هجري واستمر رئيسا لتحريرها حتى عام 1397هـ ثم عاد إليها في عام 1399هـ، وظل يرأس تحريرها إلى عام1407هـ.
كانت مجلة اقرأ في عهده تمثل مدرسة في الصحافة المحلية، وكان يلتف حوله العديد من المواهب الصحفية الشابة الذين وجدوا في العمل في مجلة اقرأ متعة لا حدود لها فهو يمنح العاملين الدعم والثقة، ويتعامل مع أصغر المحررين في المجلة بروح الزمالة والتقديروالاحترام.
كما كان مكتبه بمجلة اقرأ ،ملتقى لكبار الأدباء والكتّاب والمفكرين، أمثال الأساتذة عزيز ضياء ومحمد حسين زيدان وعبدالفتاح أبو مدين وغيرهم.
وخلال السنوات الطويلة التي أمضاها عبدالله مناع في بلاط الصحافة رئيسًا للتحرير وإداريًّا وكاتبًا ،كان حضوره بارزًا بسبب موهبته الأصيلة، وثقافته العالية، وحبه للصحافة والأدب، وولعه بالسياسة وقضايا المجتمع، وقدرته على المتابعة، وتواضع فطري، وحب للناس ،وميل إلى تبني قضاياهم.
وبالرغم ممّا قدمه المناع للصحافة، وما تركه من إرث وبصمات في صحافتنا المحلية، فإن العديد من المحبين له يرون أن الصحافة قد سرقته من عالم الأدب؛ فالمناع يملك كل المقومات التي تجعل منه أديبًا كبيرًا، سواء مواهبه الفطرية، أو مواكبته الإبداع الأدبي العربي والعالمي. وقد تجلت تلك الخلفية في الكتب التي أصدرها وفي مقالاته الصحفية التي تتجاوز الأسلوب التقريري وترتقي إلى منزلة النص الأدبي.
وفي كل كتاباته كان الدكتور المناع يتميّز بالأناقة الأسلوبية، وبالمحتوى المعلوماتي الثري، وبالجرأة والاستنارة في مناقشة قضايا المجتمع والثقافة ، يشهد على ذلك محاضراته التي دعي لالقائها في مناسبات مختلفة وكان من بينها محاضرة بعنوان :”المستقبل” وقد ألقاها بنادي الاتحاد، و”الجهل كارثتنا” بنادي النصر بالرياض، و”الصحافة والحقيقة” ألقاها بجامعة الملك عبدالعزيز، و”الموسيقى وأثرها في حياة الشعوب” في جمعية الثقافة والفنون في جدة، “الأدب والمجتمع” في مدينة الجوف، و”العواد بين الخفقات والإخفاق” في نادي جدة الأدبي الثقافي، و”حمزة شحاتة قيثارة الشعر التي صمتت قبل الأوان” في نادي أبها الأدبي عام 1990هـ، و”حمد الجاسر علَّامة وعلامة” في نادي أبها الأدبي في سبتمبر 1994م.
اما أعماله الأدبية ،فكان أولها كتاب “لمسات” والذي يتضمن مجموعة من الخواطروالقصص القصيرة طبعه أثناء دراسته الجامعية في مصر، ثم ألحقه بكتاب :”أنين الحيارى” وهو مجموعة أقاصيص، وأتبعه بمؤلفات كثيرة منها :”الطرف الآخر” و”ملف أحوال”،وهي مجموعة مقالات صحفية و”بعض الأيام بعض الليالي” و”العالم رحلة” ، وكتاب: “شيء من الفكر”، و”إمبراطور النغم” وكتاب “جدة الإنسان والمكان” و”كان الليل صديقي” و”شموس لا تغيب.. نجوم لاتنطفئ” رحم الله الدكتور عبدالله مناع الذي ترك أثراً خالدًا في ذاكرة الصحافة السعودية، وفي ميادين الثقافة والخدمة المجتمعية، وكان شخصية اجتماعيًّة بازغة الحضور في المجالس والمنتديات.