اجتماعية مقالات الكتاب

السيدة “ملعقة” وحكاية الكرسي الدوّار

عليك اختيار التوقيت المناسب الذي ستقرأ فيه هذا المقال ومكانك الذي تجلس فيه، لأن ما يهمني حقًا مزاجك، وأن يكون بيدك -عزيزي القارئ- كوبًا من الشاي يزيد أو ينقص سكره بنكهة النعناع والحبق أو دون أعشاب، وإليك آخر أحوال حارة الشيخ مفتاح بحسب تقرير السيدة ملعقة، فقد قرر السيد جعفر المشهور ب” مفك” التوقف عن التدخين ليبدأ حياة مضيئة، بعد ما يقارب ستة عقود من الرئة السوداء، وبهذا سيغلق ماضيًا بين أروقه السعال والغضب، لأجل زفير رائحة قد تسبب صداع الجيوب الأنفية، بالإضافة إلى أن القطط مازلت مستمرة بالمواء ليلًا حتى يقذفها أحد بما في يده ،فيعمّ الصمت ويحلو النعاس، وأخيرًا لم تتوقف السيدة عن تحريك الأحداث بالنميمة بين الأبواب والأزقة بالرغم من تحذير نسوة الحارة، فيما ينصتن إليها بانتباه مبالغ به.

كل ما سبق من أخبار أيها القارئ، وليدة مزاج سعيد بعد إجازة نلت فيها قسطًا وافرًا من الراحة والنوم ومراجعة النفس على ما مارسته من الظلم بحق نفسي لمدة أشهر دون إعطاء جسدي حقه من وصية الرسول عليه الصلاة والسلام في عدم نسيانه، ولهذا كانت الأخبار مبهجةً نوعًا ما، حتى وإن كانت تحوي قصصا كاذبة، فنحن كبشر في كل الحالات نخدع أنفسنا تحت راية السعي نحو الكمال، ونرهق عقولنا في سبيل الحصول على المال أو التدرج لنيل المناصب على كرسي دوار، والذي بطبيعة الحال سيأخذ منّا جزءاً كبيرًا من صحتنا وتزيدنا إرهاقًا، فيما تبدأ علاقاتنا بمن حولنا في الانهيار دون أن نشعر بذلك.

إن إرهاق الجسد لا يؤدي إلى الشعور بالتعب فحسب، بل يزيد إلى الوقوع في الحوادث والاصابات أو انخفاض أو ارتفاع الضغط وفقدان الوعي -كما حدث معي ذات يوم، ولذلك خلال اجازتي ، بحثت مطولًا عن دلائل وجود ذلك وتأثيره على صحة الأنسان، واستخلصت أهمها بعد أن رأيتها على نفسي، بأن الشعور بالنعاس الدائم والتعب رغم نيل ساعات كافية من النوم، أحد المؤشرات الواضحة على أن الموظف مرهق ويحتاج إلى إجازة يتعافى فيها من إرهاق العمل، بالإضافة إلى أن التوتر والشعور بالقلق الدائم حتى من أصغر الأشياء ،قد تؤدي سرعة الانفعال حتى على أتفه الأمور سواء كانت في المنزل أم خارجه، مع استمرار الصداع الذي لا يتوقف إلا بالمسكِّنات أو بشقّ الأنفس من محاولات نسيان ألمه. أضف إلى ذلك زيادة القابلية بالأمراض، فلك أن تتخيل أن تصاب بالمرض في أوقات متقاربة ،ليس هذا فحسب، بل أنوع شتّى من ألم القولون والحساسية والزكام وغيرها للحدّ الذي تكاد تصاب فيه بالجنون لكثرة الأدوية.

ولذلك وبحسب رواية السيدة ملعقة التي تمسك بكوب الشاي بسكر “مزبوط” ومخلوط النعناع والحبق والدوش، أن صاحب المنزل في بداية الحارة ، توفي قبل أن يسكن منزله الجديد نتيجة جلطة بسبب خسارته المال، وأنا أصدق حكاية السيدة ملعقة.

@i1_nuha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *