اجتماعية مقالات الكتاب

الزن

طال العهد على قراءتي لقصة كتبها الدكتور يوسف إدريس القاص المصري المعروف. خلاصتها من ذاكرتي عن مواطن متزوج وله ثلاثة أو أربعة من البنين والبنات. وكان راتبه عشرين جنيها مصريا.

وكان راتبا لا بأس به قبل ستين أو سبعين سنة. لكنه لا يكفي أسرة من ستة أفراد. فكان هو وزوجته يكافحان للوصول إلى نهاية الشهر لاستلام الراتب الجديد. وهذا جعل الزوجة عصبية فكانت لا تفتر عن الخصام والزن منذ مجيء الزوج من العمل حتى وقت النوم. وذات يوم خرج الزوج إلى عمله وهي نائمة ووضع على السرير ورقة عشرة جنيهات وكتب عليها :إلى زوجتي الحبيبة. فلما استيقظت الزوجة فوجئت بهذا المبلغ الضخم ودمعت عيناها وندمت على أنها كانت دائما “تزن” زوجها الحبيب على أدني شيء. لكنها بعد تفكير ،شكت في كيفية حصول الزوج على هذا المبلغ. وعندما وصلت لهذه الفكرة تأزمت وصاحت وقالت بصوت عال: من أين لك هذا المبلغ يابن الإيه. أكيد عندك مصدر دخل خبأته عني. ولما جاء الزوج ،وجد البيت كله كأنما ضربته كهرباء والزوجة تصيح: عشرة جنيهات كاملة من أين جئت بها؟ أنت تخفي عني المال وأنا تعبانة معك. ومع عيالك ثم تحول الصياح إلى بكاء. كيف تخفي عني ثروتك هيا أخبرني. فطلب الزوج منها الهدوء ثم أقسم لها أن العشرة جنيهات ما هي إلا من الراتب. وليس هناك أي دخل إضافي. ففوجئت الزوجة واندهشت وعادت لها عاطفتها ورقتها وقضت اليوم كله وهي هادئة وأحيانا تدندن. ولما أصبح الصباح وتوجه الزوج للعمل وجد في جيبه عشرة جنيهات ومعها ورقة صغيرة تقول: إلى زوجي الحبيب خذ هذه الجنيهات العشرة لكي نعيش عليها في بقية الشهر.

التركيز في القصة القصيرة هذه على ظاهرة الزن في البيوت. فيضطر المزنون عليه إلى اتخاذ قرار لم يكن ليتخذه لولا زن أحد طرفيْ عقد الزواج. لكن الكاتب نفسه لم يتحمل قيام جائزة نوبل بمنح نجيب محفوظ الجائزة في مجال الأدب. فقد ثارت ثائرة يوسف إدريس على لجنة الجائزة الدولية هذه، فهاجمها في أكثر من مقابلة وأخذ “يزن” على أنها منظمة منحازة وأنها منحت الجائزة لمحفوظ بدهلزة من الصهيونية العالمية نظرا لأن محفوظ أيد مبادرة كامب ديفيد إلخ إلخ. وقد كان بالإمكان التعايش مع هذه المسألة بروح رياضية دون تشنُّج أو توتُّر.

وقد رأيت إحصائية مفجعة حول الطلاق في المملكة، فقلت لعلّ علينا أن نفتّش عن الزن، أفلا يمكن أن تسود الأريحية في التعامل بين الأزواج الشباب والشابات؟ نتحدث كثيراً هذه الأيام عن الروح الرياضية، أوليس من الأولى أن نلجأ لها لنمنع تشتُّت العائلات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *