يحكى أن تاجراً ثرياً عمل بجد واجتهاد في صغره حتى صار له اسم وصيت بين التجار، وبات أحد أهم الأسماء التجارية في المجتمع الذي كان يعيش فيه في ذلك الزمن.
صنع لنفسه ما نسميه في وقتنا الحاضر إمبراطورية تجارية لها صيتها في طول البلاد وعرضها.
غير إن هذا التاجر الثري، إكتشف أو تكوّن لديه مع الأيام إحساس بأن هناك شيئاً في حياته. وفكر ثم فكر وشاور المقربين كيف يتلافى هذا النقص الذي يشعر به أو بالأصح كيف يكمله وفق أعراف الناس في ذلك الزمن.
سعى صاحبنا مستعيناً بماله لتحقيق رغبته وإكمال ما يظن أنه يفتقده، غير إن مساعيه لم يكتب لها التوفيق ولم يحالفها القبول.
سرت حكايته بين الناس، وطارت بها الركبان، ولماذا لا تطير وهي حكاية شهبندر التجار، وأثرى الأثرياء، فصارت حديث المجالس، وفاكهة المؤانس، يهمس بها الرائح والجالس.
سمع بها حاكم تلكم البلدة ولم ترق له فاستدعى شهبندر التجار وكان جليساً له يعرفه جيداً، وطرح عليه سؤالاً واحداً يعتب فيه عليه أن وضع نفسه موضعاً لا يليق به.. قال له: ماذا ينقصك فلديك ثروة ومكانة ليست لأحد، وسمعتك حسنه بل أنقى من الذهب لدينا وفي كل الأوساط؟
أرى أن تتجاهل هذا الأمر لأنه لن يضيف لك جديداً. وزاد في نصحه: عليك أن تعرف أنك إضافة وتشريف لأي مكان وأي مناسبة تكون فيها.
ومع تراجع تأثير وسائل الإعلام التقليدية، وتنامي وهج وسائل التواصل يعتقدُ نفرٌ من التجار ورجال الأعمال أنه ينقصهم الظهور عبر كاميرات من يسمون مشاهير السوشيال ميديا. لذلك رأينا هؤلاء التجار ورجال الأعمال يعطون لبعض من يسمون مشاهير الفرصة في حضور مناسباتهم والتقاط الصور أو الدردشات معهم عبر مقاطع فيديو، طارحين عليهم أسئلة ساذجة من قبيل: مبروك يا طويل العمر، وش تقول بهالمناسبة … إلخ
والنصيحة التي تُسدى لهذا التاجر وأبنائه وأحفاده أنكم لستم بحاجة لظهور مزيّف على شاشة جوال مع هذا أو ذاك إلا في أحيان قليلة جداً تستحق الظهور. فلا تكونوا جزءاً من محتوى هزيلٍ لدى هذا أو ذاك.
هؤلاء يتمنون التصوير معكم لكي يُشعر أحدهم المتابعين أنه صديقاً لكم وأنه مقرباً منكم.
عندما تقيم مناسبة أو معايدة أو حفل زواج فأنت لست بحاجة أن تكون جزءاً من محتوى هزيل لهذا أو ذاك ممن يسمون مشاهير.
وعليك أن تفكر في المستقبل. فبعد زمنٍ ستختفي هذه الظاهرة لكن ما سُجلَ من مقاطع سيبقى، فهل ستكون وقتها راضياً عن هذا المحتوى؟
أمر آخر وهو أن هذه الظاهرة التي استشرت في مناسباتنا يعتقد متابعون أنها لا توجد في مجتمعات الدول المتقدمة. هل رأيتم من يسمون مشاهير يلاحقون مليارديراً غربياً ليسألوه: وش شعورك في ها لمناسبة؟ أو وش عندك للمتابعين؟
لا نظن أن هذا موجود لديهم لأنهم تجاوزوا نزوة الترزز ورغبة الظهور.
دعهم يصورون مثلهم مثل غيرهم دون أن تخص أحداً منهم بوقفة أو لقاء خاص به يجعله يجمع ملايين المتابعين على حسابك.
عزيزنا التاجر ورجل الأعمال: إسمك وكيانك التجاري له قدر كبير فلا تصغِرّهُ في أعين الناس بمثل هذا الترزز.
والأهم لا تجعل المتابع يشعر أن لديك إحساساً بالنقص، وتُشعر المتابعين أن هذا المشهور من خاصتك، وتأكد يقيناً أنه أثرى من وراء ظهورك معه.
ليست بحاجة إلى ظهور مزيف لا يقدم ولا يؤخر ، لأن رجال الأعمال الحقيقيين لا وقت لديهم للترزز عبر كاميرا جوال لن يضيف له شيئاً.
أخيراً يقول العارفون: يوماً ما ستختفي هذه الظاهرة لكن صورك ومقاطعك مع بعضهم سوف تبقى وسيتم إعادة تسويقها وتداولها. فهل سيكون شعورك أو رضاك عن نفسك وقتها هو نفسه شعورك اليوم؟
ogaily_wass@