حبانا الله في المرحلة الثانوية بكثير من المدرسين المميّزين، وقد كان أستاذنا ابراهيم سعد -يرحمه الله رحمة واسعة حياً أو ميتاً-، مثالاً في اللغة العربية، للمدرس الموسوعي الذي علَّمنا الكثير،من خلال التوسُّع في الشرح والتعليق ،إلى آفاق أبعد كثيراً من الوقوف عند حدود المنهج المعتمد للإختبار النهائي للثانوية العامة ،ممّا أيقظ لدينا حب اللغة والعناية بفنونها والإهتمام بفروعها مبكراً.
وكان ممّا عرفت من آداب اللغة حينها منه، أدب السيرة الذاتية، والتي أُشتهرت في الغرب والشرق منذ عقود طويلة ،وكان -فيما أذكر- أن اول هذه المذكرات التي شرحها لنا أستاذنا ،هي اعترافات”جان جاك روسو” فيلسوف الثورة الفرنسية، الكتاب الذي حرصت بعدها، على الحصول عليه من القاهرة ، وأدركت يومها ،الفرق في أدب السيرة الذاتية بين
الإعترافات والمذكرات ،حيث كان روسو في كتابه صريحاً شجاعاً ،خرج من ذاته في حديثه عن طفولته وأطوار حياته ،وما اكتنفها من خبرات وتجارب ،حتّى أصبحت إعترافاته نموذجاً في هذا الفن من الكتابة .
ويعتبر كتاب ( الاعتبار ) الذي وضعه أسامة بن المنقذ في القرن السادس الميلادي ،أقدم سيرة ذاتية في تراثنا العربي ،وقد حقّق مخطوطه” الاعتبار ” المحفوظ في مكتبة الاسكوريال باسبانيا ، ” فيليب حتى “، وطبع بجامعة برنستون في امريكا عام ١٩٣٠م .
وعرفنا بعده ،الكثير من كتب السيرة الذاتية في تاريخنا على اختلاف أساليبها ،وأهمها وأشهرها ما كتبه ابن خلدون في التعريف بذاته ( التعريف بابن خلدون )، في ترجمة شخصية مستفيضة تقرب من المفهوم الحديث، فقد جمع بين الإحاطة والشمول والاستيعاب ،فلم يغفل شيئاً عمله أو وقع له ،إلا سجّله حتّى الأمور التي يحرص الناس على كتمانها وعدم الإفصاح عن خباياها ،وكانت هذه السيرة كتاباً مستقلاً عن كتابه الأشهر المعروف ، وهو كتاب ( العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ) ،والذي يعتبر الأساس في علم الإجتماع.
وعرفنا في العصر الحديث الكثير من كتب السيرة للأدباء المصريين خاصة ،ومنها “الساق على الساق” لأحمد فارس الشدياق، وقد طبعه أثناء إقامته في فرنسا، وكان كتاباً صريحاً كاشفاً عن خبايا نفس صاحبه .
– وللحديث بقية –
sal1h@