تعلقت بالبحر وبالدراما البحرية منذ أن قرأت رواية يوجين أونيل الكاتب الأمريكي يحكي قصة بحَّاركان ينطوي على نفسه كل ليلة في مكان مهجور بالسفينة. وهناك يقضي ساعتين أو ثلاثاً حتى شك فيه زملاؤه وظنوا أن معه جهازاً يرسل منه رسائل للتجسُّس على القوات الأمريكية.
وذات ليلة داهموه في مخبأه وألقوه أرضاً وانتزعوا منها شيئا كان يخبئه تحت ثيابه. وما كان ذاك سوى منديل فيه وردة ذابلة كان يتشممها، فلما سألوه قال ودمعته على خديه: هذه الوردة هدية من حبيبتي عندما كنا في أمريكا قبل ستة شهور. فما كان من المهاجمين إلا أن جلسوا حوله يبكون معه. فكل واحد منهم له على اليابسة حبيب أو حبيبة وهم في هذه المتاهة لا يرون سوى السماء من فوقهم والماء من تحتهم وحالهم أصعب من حال البدو في خبت من خبوت الصحراء.
وفي أدب البحر ، كتب الروائي الأمريكي أرنست همنغواي روايته “الشيخ والبحر” وقد نال عليها جائزة نوبل رغم أنها قصيرة، خلاصتها أن بحَّاراً يناهز السبعين من عمره ، صاد في عرض البحر حوتاً ضخماً أكبر من القارب الذي يقف عليه، وبقي عدة ليال يقطر الحوت بسنارته ويصارعه خوفاً من أن يقلبه هو وقاربه. وقد ساعده في مهمته أسماك أبصرت
الدم النازف فأخذت تنهش من الحوت. ولم يصل الصياد العجوز إلى بر الأمان إلا بعد أن أكلت الإسماك بدن الحوت ،عدا هيكله العظمي الطويل العريض والسنارة بين فكيه.
وزاد عشقي للبحر، أني ذات عام ،زرت مدينة قصيعر وتبعد 150 كيلومترا شرق مدينة المكلا وهناك قال لي الدليل الأستاذ أحمد باوادي ونحن واقفون على بحر العرب واصطفاق الموج أمامنا كالنشيد القاصف يمتد إلى القطب الجنوبي: من هنا ينطلق البحارة يمخرون بمراكبهم بضع ليال ولهم علامات إذا رأوها فقد وصلوا إلى جزيرة سقطرة وإلا فهو الموت جوعاً وعطشاً في متاهة المحيط الهندي.
إن الطبيعة البحرية الخلّابة الباهرة من حولنا في الجهات الثلاث من جزيرة العرب ،ما أجدرها على رأي الشاعر والمفكر السعودي الأستاذ بهاء عزي، بشراء أسطول من السفن والناقلات البحرية، وبناء أكاديمية بحرية وتخريج أجيال وطنية في هذا الوادي. وقد نشر دراسته في كتاب في 1405هـ. وأذكر أنه قال لي: إن السفينة الواحدة مدينة صناعية متكاملة فيها أنواع الهندسة وأشكال من المهن وآلاف من فرص العمل للشباب.
وقبل الأستاذ بهاء بعشرين سنة، دعا رئيس أركان الجيش الهندي الفريق كول في كتابه “القصة التي لم تُحكَ” جمهورية الهند للهيمنة بأسطولها البحري وغواصاتها على المحيط الهندي بكامله. وهو يرى، إن لم تخني الذاكرة، أن هذا هو السبيل لكي تصبح الهند قوة عظمى.
لا زال في الوقت متسع لتحقيق آمال بهاء عزي -رحمه الله-.
aljifriM@