كانت فتاة ترعى الإبل في صحراء النفود، وفجأةً ظهر لها رجل في سيارة ، وقد ضلّ الطريق، فقال لها بعد السلام : ألا تخافين في هذ الصحراء ترعين الإبل لحالك؟ فقالت: وكيف أخاف وطويل العمرعبد العزيز حطّ في السماء برقية وفي الأرض مرية؟
كان الرجل في موكب قنص الملك عبد العزيز -رحمه الله- ، فلما وصل إلى المخيّم ،حكى للحضور قصته، فلم يستغربوا، لأن قبيلة “بني مر”، اشتهرت بقصّ الأثر ،فلو أن أحداً أحدث حدثاً ثم هرب ،فإن الدولة عن طريق المرية تستطيع أن تعيده.
أمّا البرقية ، فكانت الاختراع الحديث الذي أخذت به المملكة قبل 80 سنة في التواصل، فالفتاة مطمئنة إلى الأمن الذي توطّد في عهد الملك عبد العزيز، وأخذ رجال المخيم يدوكون من أي قبيلة هذه الفتاة.
إن بناء المملكة العربية السعودية ،كان يتطور شيئا فشيئا عبر القرون الثلاثة الماضية.
لنأخذ فن العمارة كمثال ،حيث تجد البنّاء أو المعماري يخطِّط ويؤسس المبنى ليكون عمارة من عدة أدوار أو ليكون مسجدا أو مدرسة بحسب ما يبتغيه المجتمع منه، وقس على ذلك المصنوعات الكبيرة مثل البواخر أو
الطائرات أو القطارات ، لكن بناء دولة ، يختلف عن ذلك كلية ،إلا في شيء واحد يتوافق البناء فيه سواء كان عمارة أو مدرسة أو سفينة أو غير ذلك، إنه العقل الذي وضعه الله في الإنسان، هذا العقل هو الذي يفكر ويخطط ويبني الدولة بمراعاة العوامل والظروف المحيطة بالمجتمع وبما حواليه.
وكان بناء الدولة السعودية منذ 300 عام ، يخضع لظروف محلية نجدية لا شأن لها بالدول الأخرى لسبب منطقي جداً. فالسفر بين الرياض والقصيم مثلا ،يحتاج إلى جمل يسير بك ثلاثة أيام ناهيك عن التواصل مع مكة أو الكويت أو القاهرة.
وشاء الله أن تتضافر جهود المؤسسين للدولة السعودية وتتبلور،حتّى جاء إلى المشهد الملك عبد العزيز -رحمه الله-، ففي بداية أيامه ، كان السير في بناء الدولة على الجمل ثم على اللوريات ثم انخرطت الدولة في وسائل المواصلات الحديثة، لأن السيارة كانت ممنوعة من الدخول قبل أن يأتي الملك عبد العزيز لا ليشقّ الطرق للسيارات فحسب ،بل وليبني المطارات للطائرات، وفي الوقت نفسه ليتواكب ويتفاهم مع الظروف الدولية المحيطة، وقد استطاع أن يمخر بالسفينة -بعون الله- ، حتّى أسس المملكة العربية السعودية الحديثة على بنيان راسخ من البحر الأحمر إلى الخليج العربي ومن حدود العراق إلى اليمن.
وجاء خلفاؤه من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله -رحمهم الله- وسلمان وولي عهده محمد بن سلمان -حفظهما الله- ليكملا المسيرة بحيث تسافر المرأة بسيارتها وحدها من حفر الباطن شمالا إلى مكة المكرمة أو إلى جيزان نحو 2000 كيلومتر في أقصى الجنوب آمنه على نفسها وسيارتها. كما كانت تلك الفتاة الراعية للإبل تتنقل بين السهول دون خوف. لأن الأمن وطيد بحمد الله ثم بفضل أجهزة الدولة الساهرة على أمن البلاد والعباد. وقس على ذلك الحج إلى البيت الحرام والتوسعة العظمى للحرمين الشريفين والجامعات والمستشفيات والمطارات والطرق السريعة. وكذلك التقنية التي يسّرت للمواطن والوافد شؤون حياته دون حاجة للمراجعة البيروقراطية.