اليوم لا أكتب عن يوم التأسيس لمجرد حشو الأسطر وتنمية موهبة الكتابة، ولا أنمِّق الكلمات وأزخّرف الأحرف لأدخل في منافسة مع الشعراء وزملاء المقالات، بل أفعل كل ذلك لأن هذا الوطن متجذِّر منذ تأسيسه في داخلي كنخيل باسق لا يكسر قامته شيء، لأنه وطن فرد ذراعيه لي كمواطنة بدأت بتحقيق أحلامها بعد أن تجاوزت الثلاثين ونيف، حين كفل لي حق هناء العيش كما ينبغي ، وكما أعرف أني استحق رغد الحياة فيه، ولم يتركها على قارعة العمر تنتظر النهاية بصمت.
أكتب لوطن أحمل هويته بعشرة أرقام تبدأ “بواحد” لأننا وكما عرفته منذ تكويني الأول في مقدمة الأرض والخرائط، كريمًا في سلم الأعوام ،وحروب الخوف في بقية الدول، فلا تكاد دولة تشعر بالتعب إلا ويغدق هذا الوطن الحنون عليها بكرم الأصالة وأخوة الدين والحدود.
أكتب لهذا الوطن، لأننا شعب طيب جداً لا نعترف بالغربة فيما بيننا رغم اختلاف وتنوع اللهجات، وما يميزنا ، هذا التآلف الذي غرسته هذه الأرض وأثمر بيننا فتجد أن “كيف حالك” تقال بعشرة ألسن حنونه فما بين “ربكِ بخير؟، وشلونك؟، وشحالك؟”، تشعر وكأنك لهذه الكلمات اللطيفة بين أجنحة تحلق بحزنك إلى فضاء السؤال وطيب الخاطر، حتى ومن لا يحمل جنسيته، فإنه من أن تطأ أقدامه على أرض هذا الوطن، لا يشعر بغربة المكان فيصبح ابنًا باراً به يشاركنا الاحتفالات، ويسبقنا لرفع الخففّاق الأخضر ،لأنه أصبح في أرضه ووطنه حتى وإن لم يحمل بداية الرقم واحد.
أكتب عن تأسيس وطن يحمل تشريف خدمة أطهر مكانين على أرض المعمورة، منارة الدين وقبلة الصلاة، ويا له من تشريف في بلاد تنجح كل عام ودون نقصان في خدمة معتمري وحجاج بيت الله الحرام، فعلى مدار الأيام والساعات لا ينقصهم لوكوبًا من الشاي، فهل هناك فخراً أكثر من الإنتماء لهذا الوطن؟
أكتب لوطن أعيش فيه دون خوف، أو شعور يساورني بعدم الأمان ،لأني تحت قيادة أعظم رجلين، فملك وولي عهده لا يرضي أحدهما أن يخاف فرد من شعبه فصدور جنوده في مقدمة صفوف الحرب، وحماية شعب يكاد أن يبلغ عنان السماء فخراً بهم، فلا تكاد عائلة إلا لها في الحدود أباً وولداً وزوجاً، تباهي به فيما بينهم فأي فخر أفضل من ذلك؟
أكتب للخوص، والطين، والخبزة، وللتمر وهيل القهوة، والأغنيات، وأبواب الترحيب المفتوحة للغرباء، أكتب لوطن للون علمه الأخضر، كاخضرار قلوب أبنائه، علمًا يحمل راية التوحيد، دليل وحدتنا فنحن كما عرفنا منذ قديم الوقت، جسدًا واحدًا في سراء الحياة وضرائها لا يكسرنا أو يفضّ وحدتنا شيء، ولهذا اكتب لتأسيس وطن “من يوم بدينا” حتى اليوم ونحن نرفل في النعيم فيه.