غالبًا يرتبط الشتاء بالأدب والحنين، لذلك نجد أن عادة قراءة الروايات الطويلة تزيد بين قُراء الكتب، فيما يستعيد الشعراء القصائد والقصص بحالة “نوستالجيا” لا يمكنهم الخروج منها إلا بتنهيدة أو ذكرى عادوا بها لماضٍ برائحة عطر مسكوب أو أغنية.
هناك علاقة بين كل متعمِّق في الكاتبة والأدب والنوستالجيا، والتي تعني بالأصل الحنين ، أي الشعور بالرغبة في العودة بالذاكرة أو الرجوع لوقت سابق من حياتنا، هو شوق حلو ومُرّ لأشياء أو أشخاص أو مواقف من الماضي، حين نستعديها نبتسم ونتمنى لو أن تعود، حتى لو كانت مكالمة هاتفيه إمتدت لساعات، أو مكان له من الأيام مكانه بين انشغالات الحياة ، ويظهر من حين لآخر.
ورغم أن معظم حالات الحنين ، تظهر لسبب متوقع: كرائحة عطر، أو مقطع موسيقي، أو زيارة مكان كانت الضحكات تعلو فيه، إلا ظهوره في الأدب بصورة مكتوبة أو مقروءة له مكانته الخاصة المعبِّرة عمّا يختلج في النفس سواء في القصائد أو القصص، الأمر الذي يجعل من استخدامه كأداة أدبية ،مناقشة مشاعر الألم أو المتعة عند تذكر أحداث أو أماكن.
أكثر من تحدث عن الحنين في قصائده ، الشاعر الفلسطيني “محمود درويش” الذي سطّر قصيدة كاملة له ، قال فيها إنه “ندبة في القلب”. هكذا وصف يسبّب لي قشعريرة إعجاب ، فكيف تكون في القلب ندبة دون جروح إلا ندوب الحب والأماكن والوطن؟ وهذا فعلته الهجرة بقلب درويش كغيرة من الشعراء الذين كان الحنين سيد قصائدهم في بلاد بعيده عن أوطانهم، تحت مسمّى “أدب المهجر” ، وأشهرهم فيه ،إيليا أبو ماضي الذي سطّر الحنين والشوق لوطنه في قصائده.
لكن ليس الشعر والأدب العربي ما تحدث عنه، فحنين غاتسبي بطل رواية غاتسبي العظيم للكاتب فرنسيس سكات فيتزجيرالد ، حين تمثل في حنينه إلى ديزي الذي عجز عن زحزحته من قلبه وحاضره ، وغالبًا ما كتب تشارلز ديكنز عن الحنين في أغلب روايته ولو بصوره مبسطه.
لكن وبعيدًا عن الأدب والأغنيات والأماكن، قد يفشل كل ذلك في وصف شعور الحنين، حين يسيطر على القلب ثم العقل ، وتبدأ الصور والمشاعر في التدفُّق إلى الروح ، ذلك الشعور الذي نفشل في وصفه ،ونودّ لو أنه يعود، لكن لن يفعل .
تلك هي سِمة الحنين وجماليته أنه لا يعود، حتّى نمضي في حياتنا كما هي ، ونصنع نوستالجيا لها حنينها الخاص الذي نعود إليه بالذاكرة في مستقبل له أحداثه الخالدة في أيامنا وذكريات الشتاء وأعوامنا.