حين راودتني فكرة هذا المقال ، تبادر لذهني فوراً لقاء سمو ولي العهد -حفظه الله – بمناسبة مرور خمس سنوات على إطلاق رؤية 2030 .
بالطبع، كان اللقاء رائعاً جملة وتفصيلاً بكل المقاييس، لكنني توقفت بذاكرتي مع ما يتناسب مع موضوع مقالي هذا، ألا وهو تلك الوصلة التي تحدث فيها سموه عن ضرورة بناء فريق يساعده في تحقيق مستهدفات رؤياه وأحلامه ، وكان مبدئياً ضرورة توفُّر عنصر أساسي في الفريق ، وهو الوقود للنجاح وتحقيق الأهداف ، ألا وهو (الشغف) في القيادات التي ستوكل إليها المهام ، شغف العمل الذي يجعل من المسؤول مبدعاً في مجاله ، حريصاً على كسب ثقة المستفيدين من قيادته ،الشغف الذي يجعله مجتهداً بلا كلل أو ملل ، من أجل الوطن ورفعته واستقراره وراحة المواطنين واستفادتهم من الخدمات المقدمة لهم.
ممّا ذكره ولي العهد -حفظه الله – في لقائه عن المسؤولين الذين لم يقتنع بهم كما أذكر (بالمعنى وليس بالحرف) ،هم أولئك الذين يعملون بشكل روتيني فقط من أجل تخّليص المعاملات والإجراءات، لكن دون عمل إستراتيجي أو تخطيطي لتحقيق المستهدفات أو الرؤى المستقبلية.
حقاً ، يجب أن يكون القائد أياً كان موقعه أو قيادته عليا أم وسطى أو أقل من ذلك، لابدّ أن يتمتع بالشغف والرغبة في التطوير وحلّ المشكلات ، وبعد النظر الثاقب للمستقبل ، والنهوض بالوطن ، واستغلال مقدراته في البناء والتطور الذي به ينافس العالم ، فكل مسؤول في قطاع هو راعٍ ومسؤول عن رعيته، كما هو مسؤول عن المقدرات المتوفِّرة في إدارته، مسؤول عن الميزانية التي رصدت من أجل الوطن والمواطن، كل موظف مطلوب منه القيام بعمله بحب وإخلاص، وبذل قصارى الجهد من دخوله مكتبه أو مقر عمله حتى مغادرته.
كتب زميلنا العزيز الأستاذ إبراهيم العقيلي في مقال سابق في هذه الجريدة ،بعنوان (حواجز المدير) في عددها 24054 ليوم الأثنين الموافق 12/1/2024 حول هذه الفكرة، وخاطب المواطن قائلاً : (أنت أيها القارئ تستطيع أن تقابل أميراً أو وزيراً ، والتحدث معهما مباشرة في أي وقت ، لكن من سابع المستحيلات أن تقابل مديراً في مستوى إداري متوسط أو أقل من المتوسط في منشأة عامة مهمتها الأولى وواجبها الأول خدمة الناس) ، وذكر بأن هؤلاء وضعوا بينهم وبين المواطن ، حواجز تحول دون الوصول إليهم ، وهذه الحواجز كما فهمت ويفهم الجميع وكما هو واقع ، هم السكرتارية أو مدراء المكاتب، ورأى الأستاذ إبراهيم الحل لهذه الحواجز، هو قاعدة تدّوير القيادات وتقّييم الخدمات المقدمة.
أنا أتفق جملةً وتفصيلاً مع المقال ، كما يتفق معه كثيرون بل الأغلبية ، إلا أنني أرى أنه ليست الإدارات المتوسطة ومادونها فقط ، بل حتّى في الوزارات ، تعتبر مقابلة بعض الوزراء حُلماً قد لا يتحقّق ، إلا بعد زمن وطول انتظار ، بينما هناك من الوزراء من لا يلبث طلب اللقاء أو ردّ على خطاب ،أقلّ من خمسة أيام إن لم يكن فوراً.
دعوني أذكر لكم وقائع حصلت معي حين كنت على رأس العمل ،وفي فترات تحدّيات مررنا بها، فقد اتصلت على الأمير سلطان -رحمه الله- وكان الرئيس الأعلى لسياسة التعليم آنذاك ، وجاءني الردّ والتجاوب الذي حل مشكلتنا ،وأذكر حينها كتبت في هذا، بل وكتب غيري، لأنها كانت مشكلة واجهتنا كمجموعة. كما أذكر ما هو عصي على النسيان ، تحدٍّ آخر كان صعباً علينا كتربويات، وكتبت نيابة عني وعن زميلاتي للملك عبد الله بن عبد العزيز-رحمه الله- حين كان ولياً للعهد ، وكان ردّه وتجاوبه أكبر من أن تفيه الكلمات حقه من الإهتمام وحل المشكلة بشكل فوري أيضاً.
كما لا أنسى مشكلة شخصية مرت بي بسبب الإستقدام، ممّا أحوجني أن أصل لوزير العمل آنذاك، الرجل الذي لا ينساه من تعامل معه ، وهو الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله – ،ولم يأخذ حلّ المشكلة وقتاً، والعكس صحيح ، فكم مرت لنا من مواقف مع مسؤولين، لا يستحقون ثقة القيادة العليا، أو ثقة الوطن ،وهنا نجد ضرورة تدّوير المناصب خلال أربع سنوات ،وتقّييم الخدمات.
أعود هنا لحديث ولي العهد صاحب الرؤية وعرَّابها وراعيها، بوضع نطاقات لعمل كل مسؤول (أخضر، أصفر وأحمر) ،وإشراك المواطن في تقّييم المسؤول (تعامله وإنجازه) . ودمتم.
@almethag