أثناء دراستنا في المرحلة الإبتدائية،كنا نتوق ونسعد ونستبشر خيراً بالرحلات الميدانية لزيارة مصنع أو شركة أو التنزه في أحد البساتين أو نذهب في رحلات بين الفيافي والوديان أو بإنعقاد اليوم المدرسي المفتوح حيث يستعرض الطلبة نشاطاتهم الفنية والثقافية والرياضية الخ ..
واليوم وبعد تمحيص دقيق،لا أذكر أننا قمنا بزيارة للمناطق التاريخية والمواقع الأثرية في مدينة جدة، بل لم تكن تلك الزيارات الميدانية مدروسة بدقة أو وفق أهداف محددة ومقنّنة يحققها كل من الأساتذة والطلاب، لقد كان همنا نحن الطلبة ،أن نبتعد عن الفصول الدراسية ونمارس بعضاً من اللهو واللعب والتسلية وأن نحصل على بعض الهدايا والعينات الدعائية من هذا المصنع أو ذاك،أو الحصول على جرعة شراب ومرطبات وبعضا من الحلوى والبسكويت ونجري ونلهو ونلعب.
واليوم وبعد هذا الزخم من الإهتمام الشديد الذي توليه الدولة ممثلة في وزارة الثقافة،لهذا الجزء القديم من مدينة جدة التاريخية، أرى أن تكثِّف المدارس زيارة تلك المنطقة الهامة من تاريخنا وفق خطط وأهداف محدَّدة ومرسومة بدقّة للتعرف على التاريخ والعادات والتقاليد والتراث، وتحفِّز الطلبة على دراسة جذوره والحفاظ عليه لأنه إمتداد طبيعي للحاضر والمستقبل.
زيارة منطقة جدة التاريخية وغيرها من المواقع، تجعلنا نتذكر كل إنسان عاش في تلك المناطق، ونسترجع ماضيهم وإرهاصاتهم وإنفعالاتهم وأحاسيسهم ورؤاهم الى الحياة، والتعرف على ثقافاتهم وحرفهم وأفراحهم وأتراحهم وأحزانهم، ونشاهد فنونهم وموسيقاهم،وكيف تطورت والأسباب التي أدت الى ذلك،وكيف إنتقلت الى الأجيال التالية الى أن أصبحت على ماهي عليه اليوم، وما هو الدور الذي سنلعبه نحن اليوم في صياغة مستقبل حياتنا بما يتواءم مع مقتضيات العصر وأدواته.
وأخيراً، فإن زيارة الطلاب الى المناطق التاريخية، تشعرهم بالإنتماء الى هويتهم الثقافية،ويتعلمون كيف تشكَّلت قيَّم آبائهم وأجدادهم من خلال التفاعل والتمازج مع التاريخ بين الماضي والحاضر،وتعزّز أهمية التعرف على التراث الثقافي وتقبُّلهم للتنوّع وإحترام الآخر والإحتفاء به،ويساهم في بناء مجتمع متسامح ومتفاهم ومتعايش سلمياً،وهي أيضا فرصة لتعّزيز التعليم التجريبي وتشجيع الإندماج الثقافي بين الأمم والمجتمعات.