جدة – ياسر خليل
يعتقد بعض المتقاعدين، أن التقاعد هو نهاية المطاف بالنسبة لهم، خصوصاً بعد تراجع علاقاتهم الاجتماعية، وتفضيلهم العزلة، بينما ترى عدد من الاختصاصيات الاجتماعيات أن التقاعد مرحلة جديدة في حياة الإنسان، ويجب أن تتسم بالحيوية والنشاط، مشددات على أهمية الدعم المعنوي والاجتماعي لهذه الفئة الغالية، التي كرست حياتها في خدمة الوطن.
وتقول الأخصائية الاجتماعية دلال العطاوي لـ”البلاد”: “يبذل الإنسان قصارى جهده ليصل إلى العديد من طموحاته العملية، وتمضي السنوات ليصل إلى مرحلة التقاعد، بعد أن بلغ مكانة عملية قضى سنوات طويلة بجهد وتعب في حياته ليصل إليها، ومن بعد هذا الجهد، وما إن يبلغ مرحلة التقاعد يبدأ الفصل الأصعب في حياته، وهو ما يعيشه بعد التقاعد، حيث يتغير الروتين الحياتي للفرد، فيبتعد عن زملائه الذي كان يقضي وقتًا طويلًا معهم، وينفصل عن عملة الذي يزاولة كل يوم، فما إن تبدأ تلك المرحلة يعيش المتقاعد في دوامة من الأفكار السلبية المرتبطة بخيبة الأمل والتبلد واكتئاب ما بعد التقاعد، ويتوالد لديه الشعور بفقدان الإنجاز بعد سلسلة النجاحات العملية، الذي مر بها، كما يظهر لديه الإحساس بالوحدة والعزلة عن الآخرين”.
وقالت دلال: إن العديد من الدراسات الاجتماعية والنفسية أثبتت بأنه يوجد عدد من المتقاعدين الذي يمرون بمشكلات صحية ونفسية نتيجة تقاعدهم وإحساسهم بأنهم أشخاص غير مجدين ومنتجين، وقد تتطلب تلك المرحلة عددًا من الخطوات للتصدي والعلاج من آثار التقاعد السلبي الذي قد يمر به الفرد، فبدلًا من أن يكون التقاعد نقطة سلبية في حياة الفرد، يجب أن يتم تحويلها إلى أمر إيجابي وبوابة لإنجازات ونجاحات أخرى لا تقتصر على الصعيد العملي المؤسسي فقط.
وخلصت دلال إلى القول: “يتطلب الأمر من جميع المتقاعدين أن يحددوا أهدافًا وخططًا لما بعد التقاعد قبل البدء في اتخاذ قرار التقاعد، ليشغلوا أوقاتهم بأمور إيجابية تساهم بالارتقاء به في جميع الأصعدة، كالاجتماع في الجمعيات الخيرية والإنسانية أو السفر أو ممارسة الرياضة أو اكتشاف هوايات جديدة، ولا مانع من أن يعمل في المشاريع المنزلية أو التعرف على أشخاص جدد من خلال الأعمال التطوعية.
وفي السياق ذاته، تقول الأخصائية الاجتماعية غيداء الحمد: “بعد مرحلة العمل والاجتهاد تأتي مرحلة التقاعد، فيمر الشخص بتغيير جذري عن الوضع السابق، فيفقد الاجتماع اليومي بالعمل والنظام السابق الذي اعتاد عليه، فسيتغير النظام الروتيني لديه، ولدى أسرته والوضع المادي أيضًا، فالفراغ سيؤدي الى التعب النفسي والتفكير الزائد بالوضع المادي والوضع المعنوي من ناحية أنه ليس لديه ما يشغل الوقت والروتين بعد تغير الحياة”.
ومضت غيداء قائلة: “المتقاعد قد يشعر بأنه ليس مهمًا وعديم الفائدة، فيتأثر نفسيًا، والوضع المادي يكون أيضًا سببًا لعدم الراحة وعدم الاستقرار لوضعه، كما أن الانشغال بالأعمال يشعر الشخص بأنه ذو أهمية، وعند فقده لها ستؤثر عليه وتسبب له العزلة والتعب النفسي”.
واختتمت بقولها: “من المهم أن يتبع المتقاعد طريقة صحية ورياضية وغذائية لما له من فائدة لتخفيف الضغط والتوتر النفسي لديه، ويوجد لدى المتقاعدين مراكز وأندية لملء أوقات فراغهم وبعض الأنشطة لهم، فعلى المتقاعدين أن يبحثوا عن أماكن وأنشطة بديلة ومصدر دخل آخر؛ ليشعرهم بوضع تقريبي لوضعهم قبل التقاعد والتكيف مع الوضع الحالي لهم”.
إلى ذلك، تقول الأخصائية الاجتماعية مي الطفيل: ” في الواقع لا أفضّل أن يتم تصنيف هذه الفئة الغالية تحت مسمى (متقاعدين) لأنه مصطلح خاطئ ويؤثر على نفسياتهم، بحيث إنهم يعتقدون بأن دورهم في الحياة انتهى، وهذا ما قام بتصديقه الكثير من المتوقفين عن العمل بأنه لا يوجد شيء يعملونه بعد وحياتهم فارغة يجب أن تكون رتيبة وعلى روتين واحد وهو ممارسة الأشياء الأساسية في الحياة فقط، وهذا الاعتقاد خاطئ فالمتوقف عن العمل لم يتوقف عن الحياة هو فقط انتهى من عمل شيء معين، وهناك المزيد ليعمل به. فالمجتمع قام بتوفير العديد من الأنشطة التي تخدم هذه الفئة، ومن ضمنها (الأنشطة الثقافية: كالندوات والدورات والمعارض والمؤتمرات، والإجتماعية: كالجمعيات والأنشطة التطوعية والمسابقات، والصحية: كأندية الرياضة البدنية والسباحة وركوب الخيل والرماية، والترفيهية كالحدائق والمتنزهات والمقاهي)، بحيث يعيش بشكل طبيعي كأي شخص في هذه الحياة له الاختيار في المكان الذي يريد التواجد فيه والذي يريد أن يسكنه، ويمكن أن يسافر للتنزه والاستكشاف أو لزيادة العلم، ويمكن أن يعملوا في أعمال خاصة مما يعود عليهم بفائدة مادية ومعنوية، كالتجارة والزراعة والصناعة والكتابة والأعمال الفنية، وغيرها، وتكوين صداقات وعلاقات اجتماعية من خلالها.
وأكدت مي أن الدولة قامت بإنشاء مركز الملك سلمان الاجتماعي، الذي يعتبر من الهيئات غير الربحية الرائدة في المملكة، ويقدم العديد من البرامج والأنشطة الثقافية والإجتماعية والصحية والتوعوية والترويحية والتطوعية؛ بهدف الارتقاء بمستوى جودة حياة الأسرة السعودية، إذاً فالشغف والحياة ليست محصورة على أشخاص معينين، فالكل له الحق أن يحيا ويبحر ويعيش.