عثرت الشرطة في عام 2013 على جثة امرأة عمرها 74 عاماً توفيت في منزلها لوحدها في مدينة روتردام الهولندية. المفارقة أن الشرطة اكتشفت أنها توفيت قبل عشر سنوات من عثورهم عليها دون أن ينتبه لها أحد.
يقول التقرير الذي نشرته وكالات الأنباء أن هذه المرأة عاشت وحيدة منذ أن انقطع عنها ابنها الوحيد فماتت في أحد أيام 2003 دون أن يكتشف أحد ذلك. كان راتبها التقاعدي يذهب تلقائيا إلى حسابها البنكي حيث يقتطع منه أجرة المنزل بشكل تلقائي طوال تلك الفترة. تم اكتشاف جثتها عندما جاء عمّال الغاز يريدون الدخول لشقتها. فتحت الشرطة الباب ليجدوا خلفه كومة من الرسائل البريدية التي تراكمت عبر هذه السنين، والتي استطاعوا بسببها معرفة الوقت الذي ماتت فيه هذه السيدة الوحيدة.
أدّت هذه القصة المأساوية إلى مجموعة من المبادرات والمشاريع الاجتماعية في هولندا أول الأمر ثم أوروبا في محاولة يائسة لعلاج هذه المشكلة المعقّدة لدى الإنسان في العالم الغربي الذي أخذته التقنية والتقدم بعيداً عن حاجات الإنسان النفسية والعاطفية.
من هذه المبادرات في بريطانيا، على سبيل المثال، اشترك أكاديميون من جامعة شيفيلد هالام في مشروع رقمي يرتدي فيه كبار السن سماعات الواقع الافتراضي لممارسة أنشطة افتراضية مثل لعبة الورق أو الرقص الافتراضي. هذا المشروع الذي مازال قيد الدراسة والتجريب يستهدف صحة هؤلاء المسنّين وسلامتهم النفسية وتسليتهم والتخلّص من الساعات الطويلة التي يقضونها في وحدة قاتلة، لا نصير ولا مجير.
من المبادرات الأخرى المطروحة في هولندا هو توفير كلاب، أكرمكم الله، لهؤلاء المسنّين الذين يشعرون بالوحدة في آخر أيامهم لتسليتهم وذلك عن طريق استعارة هذه الكلاب بسعر رمزي من أغنياء لا يجدون الوقت الكافي للعناية بها، ويمكن لهؤلاء الأغنياء استعادة الكلب عندما يرحل صاحبه العجوز عن الدنيا.
اتضح مع مرور الوقت أن هذه الوحدة امتدّت إلى الشباب أيضاً ولم تعد مقصورة على كبار السن، ففي إحصائية نُشِرت هذا العام اتضح أن مليون ونصف من سكان بريطانيا يعيشون لوحدهم فرادى من دون قريب أو صديق. ويكفي النظر إلى الساعات الطويلة التي يقضيها الشباب والكبار أمام شاشاتهم الصغيرة بشكل يومي لوحدهم معزولين عن العالم الخارجي لتدرك حجم هذه المشكلة عاجلاً أو عاجلاً.
لا يبدو، على الأقل من وجهة نظر خاصة، أن التقنية أو الكلاب أو القطط تمثّل حلاً لهذه المشكلة الأخلاقية. الحل يكمن في فلسفة تعلي من شأن القيمة الأخلاقية وتجعلها تحتل مرتبة أعلى من القيمة المادية التي تهمل الإنسان وقضاياه العاطفية.
إذا كنت ممن تستهويه موجة التقنية الرأسمالية في الغرب أو اقتناء الحيوانات الأليفة وتطمح للوصول إلى هذا التقدم الذي يعيشه هذا الإنسان الغربي المتحضّر (بين قوسين) فيمكنك تسليم نسخة من مفتاح بيتك لجيرانك الذين يسكنون بالقرب منك دون أن تعرفهم وتخبرهم أن يدخلوا منزلك عندما تقع أنوفهم على رائحة منتنة.
khaledalawadh @