في إذاعة جدة ، كنت أعدّ برنامج حديث المساء إلى جانب عدد من البرامج مثل “الفتوحات الإسلامية والشعرفي رمضان وأمان الخائفين…إلخ.”
وكنت أكتب هذه البرامج بشكل متنوّع، تنوّع قضايا المجتمع والثقافة بشكل عام.
وحينما أستعرض هذه البرامج ،أجدني أفضل مني في إعداد نشرة الأخبار وهكذا نصحني أحد الرؤساء، ولكني لم أعره إهتماماً .
وكما يقول المثل:”لايصح إلا الصحيح” تمت ترقيتي في نهاية الأمر على وظيفة مدير الصحافة ثم مدير المطبوعات في مطار الملك خالدالدولي وتقاعدت فيها.
وعموماً كانت الكلمة هي روح العمل الإعلامي، فلابدّ من صحتها بناءً وتركيباً وتصريفاً…إلى آخره. ولله الحمد رب السموات والأرض رب العالمين. في ندوة الإنسان واللغة، وزعت صوراً لمقالي:(هل تصبح الألفاظ الحميدة تراثاً؟) وهي ألفاظ القرآن الكريم المهجورة مثل( نتق وواصب) اعتبرها د.أحمد مختارعمر في موسوعته(المكنزالكبير) ،ألفاظاً تراثية. ولو اعتبرها مهجورة لكان ذلك صواباً منه، ولكن التراث يعني الموت في النظرية اللغوية الإنجليزية ولايجوزلناتطبيق المقياس اللغوي الإنجليزي على ألفاظ القرآن التعبدية الحميدة وليس النقص فيها حينما نجهلها وإنما نحن الذين تعوزنا المعرفة وليس العيب في اللفظ ولكنه فينا.
نحن المقصرون في تدبّرالقرآن وتأمل معاني ألفاظه ولله در د.فاضل السامرائي في كتابه :”التطور اللغوي التاريخي” الذي وصف فيه اللفظة القرآنية بأنها تعبدية حميدة ولايجوزوصفها بغير ذلك.
ومن أسلوب الحوارفي القرآن ماهوبين الله وأنبيائه، وبين الأنبياء وأقوامهم، وبين فرعون وموسى عليه السلام والسحرة وفيه تتجلّى قدرة الله عزّوجلّ على تغلُّب السحرة على فرعون، وتسليمهم بالحق الذي جاءبه موسى، فبعد أن ألقى موسى بعصاه، وتحولت إلى حية (تلقف ماصنعوا) طه/69، وهو(كيد ساحر)(ولايفلح الساحرحيث أتى)69، كانت نتيجة الحوار (فألقي السحرة سجدا) لأنه (ولايفلح الساحرحيث أتى) (فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى) 70، ويظل فرعون متمسكاً بكبريائه(قال آمنتم به قبل أن آذن لكم) 71.
وتبلغ القصة مرحلة التأزم – حسب تعبيرالنقدالأدبي- ويؤدي ذلك إلى التهديد:(فلأقطّعن أيديكم وأرجلكم من خِلاف ولأصلِِّبنكم في جذوع النخل ولتعلمنّ أينا أشدّ عذاباً وأبقى)71، ويأتي ردّ السحرة عليه بقولهم:(قالوا لن نؤثرك على ماجاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ماأنت قاض…) 72 (إنا آمنا بربنا… والله خير وأبقى)73.
أما النتيجة فهي(إنه منيأتي ربه مجرماً فإن له جهنم لايموت ولايحي)74، وكذلك(ومن يأته مؤمناً قدعمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) 75، وينتقل الأسلوب إلى جملة تفسيرية:(جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى)76، ونلاحظ ختم الحواربالتزكية، وهي التخلية عن الرذائل والتحلّي بالفضائل.
وبذلك يعتبرهذاالحوارمن قصص القرآن التي تناولها بعض الباحثين بالدراسة والنقد،فهي-إذا جاز التعبير – جزء أصيل من التراث الأدبي في اللغة العربية.