في أحاديث حول التربية، قالت إحداهنّ:( أنا حرصت على تربية أبنائي ليعرفوا متى يقولون لكل موقف يقابلهم “نعم” ، ومتى يقولون “لا”) ، بمعنى آخر، هيأت أبناءها لمواجهة الحياة بما فيها من خطأ وصواب وحسن الاختيار وسط كل ذلك.
والحقيقة أن التربية هي كذلك ، ويجب أن يركِّز الوالدان والمربُّون عموماً ،على تنمية التمّييز بين الخطأ والصواب ، وقد لا نخطئ حين نقول: إن الحديث في التربية ذو شجون وطعون وهموم، كيف لا ونحن نتألم حين نرى مراهقاً غضّ العود ، يتحلّى بالأساور والحَلق في أذنيه ، وملابس أقرب ما تكون للإناث بحكم الموضة ، وأن هذا حال كثير.
كيف لا ونحن نرى فتيات في عمر الزهور، لاهثات بلا هوادة خلف حياة لا تمتّ لهن بصلة ! نحن نواجه تغّريب للجيل لا أقول غير مقصود ،لأنه حقيقةً مقصود في غفلة -للأسف- من الأهل، غفلة أوجدتها مشاغل دنيوية لا تقارن أهميتها بأهمية تربية الأبناء، وتحّصينهم ضدّ المتغيرات والتطورات السلبية!
في اعتقادي أن العلاقة المتكاملة بين الوالدين والأهل عموماً وأبنائهم وبناتهم ، لها أهمية كبيرة ، ومردودها التربوي عظيم. وأقصد بتكاملها ، أن تكون العائلة متماسكة قوية ، تربطهم ببعض صداقة واحترام ومعرفة ببعضهم بعضاً ، متآلفين ، بينهم لهم لقاءات يومية حتى وإن كانت قصيرة ،ملؤها المحبة والإستفسارعن يوم كل منهم وكيف جرى، ولهم لقاءات أسبوعية يتسامرون أو يقضونها سوياً خارج المنزل، لقاءات يتبادلون فيها أطراف الحديث ،ومن خلال النقاشات التي تدور يكتشفون أفكار أبنائهم ، فيقومون بالتصحيح والمتابعة دون تعّنيف بل بمنتهى الودّ والحنان.
قال أحد السلف عن التربية السليمة :(لاعبوهم سبعاً واضربوهم سبعاً وصاحبوهم سبعاً)، ولو توقّفنا عند هذا التفّنيد للتربية ، لوجدناه الأفضل والأعمق أثراً، ولم يقصد بالضرب هنا العنف والتكسير ، بل الضرب المؤثر معنوياً وليس جسدياً ، وقد ثبت علمياً واجتماعياً أن التربية تبدأ والطفل لم يولد بعد ، حين يخاطب الوالدان جنينهما وكأنه معهما فعلاً يقولان له أجمل العبارات وأطيب الأمنيات.
هل تخيلنا قط إمرأة عمران حين نذرَت ما في بطنها مُحرّراً لله عزّ وجلّ ، تُرى ماذا كانت تخاطب ما في بطنها وقد تقبّلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً؟ كانت السيدة مريم وهي من هي ، قد خصّها الله بسورة في القرآن الكريم -رضي الله عنها-.
وتستمر التربية بعد مولد الطفل بالملاعبة حتى يبلغ سبع سنوات ، وليست الملاعبة بقول اضرب واكسر والضحك عندما يقوم الطفل بحركات أو عبارات مؤذية وغير مهذبة ، بل التربية تتطلَّب جهداً مضاعفاً لغرس الآداب والقيِّم ، فالطفل في هذه المرحلة ، يستوعب ،وتترسّخ الطباع في نفسه، وتثبت الآداب في عقله. وتعتبر هذه السنوات الأخطر في عمره ، واستعداده للتعلم كبير جداً ، فلا تجعلوا الأطفال عُرضة للضياع والإهتزاز والتوتُّر أثناءها ، وعاقبوهم فيها عقاباً معنوياً يتناسب مع الخطأ.
ثم تأتي مرحلة و(اضربوهم سبعاً) ،مرحلة الجدِّية في التربية ، وهي امتداد لسابقتها في تعّزيز القيِّم والآداب والعلوم النافعة ، وعقاب التقصير هنا ، يكون أكثر صرامة من مرحلة (لاعبوهم) ، فهي مرحلة بدايات التمرُّد والعصيان ، لكن إن نجح الوالدان في احتواء المرحلة السابقة ، فلن يجدا صعوبة في الإستمرار بنهج العلاقة الطيبة والترابط العائلي، وتحلِّيهما بالأخلاق الفاضلة والإحترام فيما بينهما ، ليتخطيا مصاعب هذه المرحلة ، ثم يصلا بأمان إلى المرحلة الأخيرة، وهي ( صاحبوهم سبعاً) ، هذه مرحلة الصداقة والتفاهم والحوار الراقي والإقناع بالحُسنى ، وفي كل من المراحل الثلاث ،أجد أنه لابدّ من انتقاء الأصحاب، فهم محور هام من محاور التربية ،ومِعول إمّا هدم وإما بناء.
أتمنى أن يجد أبناؤنا وبناتنا الطريق الصحيح ، وأن يُحْسِنوا اختيار أسلوب حياتهم ،لأنهم يمثِّلون دينهم ووطنهم وأهلهم .. ، ودمتم.
@almethag