مررت في الفترة الماضية بكبوة نفسية أشعرتني بالحزن الشديد، كنت أحس وكأن صخرة بركانية جاثمة على صدري لشدّة الأذى الذي أصابني، بالرغم من محاولات الذين حولي للترفيه عني إلا أنهم توقفوا بعد أن طلبت منهم ذلك، أردت أن أعيش ما أشعر به كاملاً حتى لا يتراكم داخلي، ولأنه كان حزناً بسبب مهني وعملي، فأني أول ما قررت فعله هو التحدث مع أحد حتى أخفّف من وطأة الشعور ثم أمارس الصمت وعدم التحدث مرة أخرى عمّا أشعر به بالإضافة للتعمُّق في القراءة كوسيلة علاج.
ولأن القراءة شكل من أشكال التأمل ، قررت سدّ الفجوة التي أشعر بها باستخدام الأدب، أو كما يسميها العلماء “الببليوثيرابيا” حيث أنها تتكون من كلمتين وتعني العلاج بالكتب أو مكتبة العلاج، فإن الإمساك بكتاب أو رواية تساعد على ترتيب أفكارنا حين نتبع تسلسل الأحداث فيها، أو قد نجد فيها ما يساعدنا على النسيان ويلهمنا لتجاوز ما يشعرنا بالحزن، فللكتب تأثير إيجابي على عقول قرائها، فهي تكسبهم مهارات جديدة بالإضافة إلى نقلهم إلى عوالم أخرى تنسيهم ما يمروا فيه من المشاعر السيئة التي يشعروا بها، وهذه المعالجة يستخدمها ممارسو الصحة النفسية لمعالجة المشاكل السلوكية أو العاطفية والوصول إلى الأهداف العلاجية المقصودة، لهذا حين بدأ العلماء البحث في هذا التكنيك للعلاج فإنهم عادوا لتاريخه الذي يقال أنه يعود إلى عهد رمسيس الثاني الذي وجدوا بإحدى المكتبات التي كنت في عهده ،عبارة ” بيت الشفاء” واستمر تاريخ تطور هذا العلاج فاستخدم مع جنود الحرب العالمية الأولى والثانية ضمن محاولات العلاج التي قدمت لهم.
لكن قبل اعتماد الببليوثيرابيا واختيار الكتاب يجب أن يحدّد القارئ المجال الذي هو بحاجة لقرآءته، فقد لا تناسبه الروايات وتعجبه كتب الملهمين وتطوير الذات أو حتى القراءة في المجال الروحي في جانب الدين وتفسير القرآن والقصص فيه، لذلك عليه أولًا اختيار مجال القراءة المناسب لمشاعره في ذلك الوقت، بالإضافة لأهمية دراسة علاقة الكتاب بمدى فاعلية الشعور بالتعافي أم أن اختيار كتاب آخر بمجال مغاير عن ميوله يساعده كثيراً.
بكلا الحالات ،بمجرد أن يمسك القارئ كتابًا ،فإنه يدخل في عالمه، يعيش مع بطل الأوراق في داخله، يشعر بما يشعر به أو يبكي لأنه قرأ اقتباساً لامسه بشدّة، وأحيانًا يبقى وقتًا طويلاً عالقاً في نفس الصفحة لأنه لم يستطع تجاوز سطراً أعجبه، فعالم الكتب لا يمكن لأحد أن يدخله إلا ويخرج منه شخصًا آخر مختلفاً عمّا كان يظن نفسه، ولهذا وجدت أن تجاوز حزني ،أن امسك برواية “صاحب الظل الطويل” للكاتبة جين ويبستر بجزئيها لأني كنت بحاجه للشعور بالبهجة ونجحت.
@i1_nuha