متابعات

الكندي.. العلامة الموسوعة ومؤسس الترجمة بأسلوب جديد

عبدالله صقر- مركز المعلومات

أَبُو يُوسُفْ يَعْقُوبْ بْنْ إِسْحَاقْ بْنْ اَلصَّبَاحِ بْنْ عِمْرَانْ بْنْ إِسْمَاعِيلْ اَلْكِنْدِيَّ (185 هـ/801 – 256 هـ/873). علّامة عربي مسلم، برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقى وعلم النفس والمنطق، الذي كان يعرف بعلم الكلام. يُعد الكندي أول الفلاسفة المسلمين، كما اشتهر بجهوده في تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة والهلنستية.

كان والده واليًا على الكوفة، حيث تلقى علومه الأولية، ثم انتقل إلى بغداد، حيث حظي بعناية الخليفتين المأمون والمعتصم، حيث جعله المأمون مشرفًا على بيت الحكمة – الذي كان قد أنشئ حديثًا لترجمة النصوص العلمية والفلسفية اليونانية القديمة – في بغداد.

عرف الكندي أيضًا بجمال خطه، حتى أن المتوكل جعله خطاطه الخاص.
في بغداد؛ حيث بيت الحكمة أقبل الكندي على العلوم والمعارف لينهل من معينها، وذلك في فترة الإنارة العربية على عهد المأمون والمعتصم.
الترجمة
كان بيت الحكمة بحرًا من العلوم المتنوعة المختلفة؛ حيث بدأ بالذهاب إلي مكتبة بيت الحكمة التي أنشأها هارون الرشيد وازدهرت في عهد ابنه المأمون.
وصار يمضي أيامًا كاملة فيها، وهو يقرأ الكتب المترجمة عن اليونانية والفارسية والهندية؛ لكن فضوله للمعرفة لم يتوقف عند حد قراءة الكتب المترجمة فقط.
بل كان يتمني أن يتمكن من قراءة الكتب التي لم تترجم بلغاتها الأصلية؛ لذلك بدأ بدراسة اللغتين السريانية واليونانية علي يد أستاذين كانا يأتيان إلي منزله ليعلماه.

وتمكن الكندي من إتقان هاتين اللغتين بعد سنتين، وبدأ بتحقيق حلمه فكون فريقًا خاصًا به وصار صاحب مدرسة في الترجمة تعتمد علي الأسلوب الجميل، الذي لا يغير الفكرة المترجمة، لكنه يجعلها سهلة الفهم وخالية من الركاكة والضعف.
وأنشأ في بيته مكتبة تضاهي في ضخامتها مكتبة الحكمة، فصار الناس يقصدون بيته للتعلم ومكتبته للمطالعة، وصارت شهرته في البلاد عندما كان عمره خمسة وعشرين عامًا فقط. فدعاه الخليفة المأمون إليه وصارا صديقين منذ ذلك الحين. فيما بعد وضع الكندي منهجًا جديدًا للعلوم يوفق بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية.
أكبَّ الكندي على الفلسفة والعلوم القديمة حتى حذقها. أوكل إليه المأمون مهمة الإشراف على ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية إلى العربية في بيت الحكمة، وقد عدّه ابن أبي أصيبعة مع حنين بن إسحق وثابت بن قرة وابن الفرخان الطبري حُذّاق الترجمة المسلمين.
كان لاطلاعه على ما كان يسميه علماء المسلمين آنذاك «بالعلوم القديمة» أعظم الأثر في فكره، حيث مكّنه من كتابة أطروحات أصلية في الأخلاقيات وما وراء الطبيعة والرياضيات والصيدلة.


التنجيم وعلم الفلك
اعتبره علماء العصر الحديث من بين أهم ثمانية من علماء الفلك على مدار التاريخ، لما تركه من إرث عظيم في النظريات الفلكية.
لم يؤمن الكندي بالتنجيم، بل اعتبره فاسدًا، وبدل ذلك اهتم بعلم الفلك ومراقبة الكواكب والشمس، مستندًا إلى الرياضيات في تقديم نظريات في الهندسة الكروية، لكنه لم يؤمن يومًا بأن لها تأثيرًا على حياة الناس ويومياتهم.
اتبع الكندي نظرية بطليموس حول النظام الشمسي، التي تقول بأن الأرض هي المركز لسلسلة من المجالات متحدة المركز، التي تدور فيها الكواكب المعروفة حينها – القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري والنجوم- وقال عنها: إنها كيانات عقلانية تدور في حركة دائرية، ويقتصر دورها على طاعة الله وعبادته.
وقد ساق الكندي إثباتات تجاربية حول تلك الفرضية، قائلاً: إن اختلاف الفصول ينتج عن اختلاف وضعيات الكواكب والنجوم وأبرزها الشمس؛ وأن أحوال الناس تختلف وفقًا لترتيب الأجرام السماوية فوق بلدانهم. إلا أن كلامه هذا كان غامضًا فيما يتعلق بتأثير الأجرام السماوية على العالم المادي.

افترض في إحدى نظرياته المبنية على أعمال أرسطو، الذي تصور أن حركة هذه الأجرام تسبب الاحتكاك في منطقة جنوب القمر، فتحرك العناصر الأساسية التراب والهواء والنار والماء، التي تتجمع لتكوين كل ما في العالم المادي. ومن وجهة نظر بديلة، وجدت في أطروحته “عن الأشعة”، هو أن الكواكب تتحرك في خطوط مستقيمة.
وفي كلا الفرضيتين، قدم الكندي وجهتي نظر تختلفان اختلافًا جوهريًا عن طبيعة التفاعلات المادية، وهما التفاعل عن طريق الاتصال، والتفاعل عن بعد. تكررت هاتان الفرضيتان في كتاباته في علم البصريات.
شملت أعمال الكندي الفلكية البارزة، كتاب “الحكم على النجوم” وهو من أربعين فصلاً في صورة أسئلة وأجوبة، وأطروحات حول “أشعة النجوم” و”تغيرات الطقس” و”الكسوف” و”روحانيات الكواكب”.

الرياضيات في الطب
للكندي أكثر من ثلاثين أطروحة في الطب، التي تأثر فيها بأفكار جالينوس.
أهم أعماله في هذا المجال، هو كتاب” رسالة في قدر منفعة صناعة الطب” الذي أوضح فيه كيفية استخدام الرياضيات في الطب، لا سيما في مجال الصيدلة. على سبيل المثال، وضع الكندي مقياسًا رياضيًا لتحديد فعالية الدواء، إضافة إلى نظام يعتمد على أطوار القمر، يسمح للطبيب بتحديد الأيام الحرجة لمرض المريض.
وفي الكيمياء، عارض الكندي أفكار الخيمياء، القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة؛ كالذهب من المعادن الخسيسة في رسالة أسماها” كتاب في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة”.
كما أسس الكندي وجابر بن حيان صناعة العطور، وأجرى أبحاثًا واسعة وتجارب في الجمع بين روائح النباتات عن طريق تحويلها إلى زيوت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *