البلاد – جدة
يسير شباب منطقة جازان على خطا أجدادهم في زراعة وحصاد حبوب البن الخولاني، ويرثون معرفتهم حول هذه الممارسة، حيث تزرع حبوب البن الخولاني على ارتفاعات جبلية تتراوح من 1000 إلى 1800 متر فوق مستوى سطح البحر، على مصاطب زراعية. ويقوم كل من الرجال والنساء بطحن الحبوب المستخدمة لصنع القهوة، ويتبادل المزارعون في المجتمع معارفهم من خلال الزيارات الاجتماعية المتكررة.
وبأساليب تعليم غير رسمية، مثل: الملاحظة، التقليد، والمشاركة، يتم توريث أكثر من 300 عام من مهارات وتقنيات زراعة حبوب البن الخولاني من جيل إلى آخر، بينما أصبح بعض الشباب من العائلات التي لا تمارس هذه الزراعة متدربين لكبار المزارعين من أجل تعلم المهارات والدراية الكافية لزراعة حبوب البن الخولاني، ما يتيح لهم إمكانية الحصول على مزارعهم الخاصة في المستقبل.
ولأن القهوة هي رمز للعطاء في المملكة، يبرز ممارسو فن زراعة البن الخولاني كرمهم؛ من خلال تفانيهم وشغفهم بهذه الممارسة. كما أنه من المهم اجتماعيًا في المجتمع الخولاني تحضير القهوة لزوارهم وضيوفهم باستخدام حبوب البن التي يتم حصادها من مزارعهم، لأنها علامة على الشرف والاحترام.
وقد حفّز مهرجان البن الخولاني منذ انطلاقته أواخر نوفمبر 2013م بمحافظة الدائر بني مالك على الاهتمام بزراعة البن والتوسع فيها، واستثمار جهود المزارعين وارتباطهم بشجرة البن وزراعتها كموروث عريق، وترجمة خطط الدولة في تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وزادت أعداد مزارعي البن من 592 مزارعًا خلال النسخة الأولى من المهرجان الذي تنظمه سنويًا محافظة الدائر، لتصل خلال النسخة الماضية إلى 1802 من مزارعي البن بمحافظات الدائر، وفيفاء، والعارضة، والعيدابي، والرّيث، وهروب، فيما نمت أشجار البن من 70 ألف شجرة عام 2013م لتصل خلال العام الماضي إلى 332,857 شجرة بن منها 203,504 أشجار مثمرة.
وسعت وزارة البيئة والمياه والزراعة نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 من خلال مشروع تأهيل المدرجات الزراعية في جازان وتطبيق تقنيات حصاد مياه الأمطار ونظم الري الحديثة، وتطوير الزراعة المحصولية، وذلك لتوفير كميات كبيرة من المياه، ورفع كفاءة استخدامها في الأغراض الزراعية، والاعتماد على مصادر متجددة تسهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الريفية، وزيادة إنتاجية المحاصيل الإستراتيجية، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأسهمت جهود الوزارة في زيادة أعداد المزارعين وزيادة أعداد أشجار البن ومن ثم زيادة الإنتاج، من خلال برنامجها لتطوير التنمية الريفية الزراعية المستدامة واستهدافها قطاع تطوير وإنتاج وتصنيع وتسويق البن للوصول إلى رفع الكفاءة الإنتاجية لمحصول البن، وشجعت مزارعي البن ببرامج دعم متنوعة من خلال منصة ريف وصناديق الدعم المتخصصة وبرامجها المتعددة، ما خفف الأعباء على المزارعين ودفعهم للتوسع واستصلاح مدرجاتهم الزراعية.
من جهتها، أطلقت أرامكو السعودية سلسلة برامج لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لمزارعي البن، منها برنامج أُطلق في عام 2016م لتدريب مزارعي البن على أحدث وسائل الزراعة المستدامة لإنتاج البن، وتحسين وسائل الإنتاج والتسويق، كما شيّدت الشركة مشروعًا تنمويًا لتشجيع زراعة البن الخولاني يعزّز من جودة الزراعة ونوعية الشتلات، فيما عززت أرامكو جهودها مؤخرًا بتوقيع مذكرة لإنشاء مركز البن السعودي في منطقة جازان مع هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان، وجمعية البر الخيرية بمحافظة الدائر، بهدف تعزيز استخدام أحدث التقنيات لإنتاج شتلات البن، ورفع الطاقة الإنتاجية إلى أكثر من 300 ألف شتلة سنويًا، وأسهم برنامج أرامكو السعودية منذ انطلاقته في زراعة أكثر من 200 ألف شتلة بن، ودعم 975 مزارعًا، بقدرة إنتاج تجاوزت 800 طن من القهوة بنهاية عام 2021م.
بدورها، أسهمت الشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك” في تعزيز التجارب الحقلية للمغذيات الزراعية التي أسهمت في زيادة إنتاج البن وجودته.
وتحمل جمعية البن الخولاني السعودي التي دُشنت بالتزامن مع انطلاق النسخة الحالية للمهرجان، آمالاً كبيرة في تعزيز شراكة القطاع الأهلي الفاعلة لتُعنى بمسؤولية تطوير قطاع زراعة البن وتشكيل منطلقات العمل ورفع كفاءة التسويق والاستثمار والصناعات القائمة عليه.
ويواصل 150 مزارعًا عرض أجود أنواع البن الخولاني بمهرجان البن الحالي، مقدمين عروضاً للتعريف بتاريخ البن كثقافة تُقدم للأجيال، ومستثمرين كل تلك الجهود، للمضي في المحافظة على شجرة البن؛ كموروث زراعي عريق ومنتج اقتصادي ثمين، سعيًا نحو استدامة زراعته وتطوير صناعته.