متابعات

ابن الجزار.. أسس مدرسة طبية وجمع بين الطب والصيدلة

عبدالله صقر- مركز المعلومات

ابنُ الجزّار.. هو الطبيبُ أحمدُ بنُ إبراهيمَ بن أبي خالد، يُكنَّى بأبي جعفر، ويُلقَّب بابن الجزّار، وُلِد، ونشَأَ في مدينةِ القيروان لأسرة اشتهر أفرادها بالطب، وقضَى مُعظَم حياتِه فيها وتوفي فيها في سنة 369هـ.

ويُعدُّ ابن الجزار من أشهر أطباء وفلاسفة المسلمين في القرن الرابع الهجري، وكان صاحب مكانة علمية غير مسبوقة خاصة في بلاد المغرب الإسلامي.

كان من أهل الحفظ والتطلع والدراسة للطب وسائر العلوم، فامتلكَ ابنُ الجزّار مُعظمَ مُقوِّمات الطبيبِ البارعِ، والناجحِ؛ فقد كان ذكيّاً، وخلوقاً، وإنسانيّاً، يُحبُّ ما يعملُ، ويسعى دائماً، وباستمرارٍ إلى تحقيقِ الإنجازاتِ العلميّةِ، والطبّيةِ التي من شأنِها نَفعُ البشريّةِ، وتحقيقُ حياةٍ أفضلَ، كما تميّز بأنّه عالِمٌ شاملٌ، وموسوعيٌّ؛ فقد ألمّ بعلومِ الطبِّ، والتاريخِ، والصيدلةِ، وعلمِ النَّفْس
‏يصفه‏ ‏المؤرخون‏ ‏بأنه‏ ‏كان‏ ‏أبياً‏ ‏عزيز‏ ‏النفس، ‏لا‏ ‏يتزلف‏ ‏لأحد‏ ‏من السلاطين‏ ‏والأمراء، ‏ولا‏ ‏يمتنع‏ ‏عن‏ ‏خدمة‏ ‏أي‏ ‏مريض، ‏غنياً‏ ‏كان‏ ‏أم‏ ‏فقيراً، ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏كان‏ ‏رفيقاً‏ ‏بالضعفاء، ‏ويبذل‏ ‏المال‏ ‏للفقراء‏ ‏والمساكين‏ ‏ويوزع‏ ‏عليهم‏ ‏الأدوية‏ ‏مجاناً، ‏إذ‏ ‏إنه‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏أسرة‏ ‏ثرية، ‏وقيل:‏ ‏إنه‏ ‏خلّف‏ ‏بعد‏ ‏مماته‏ ‏أربعة‏ ‏وعشرين‏ ‏ألف‏ ‏دينار‏.‏

الطبيب والصيدلي
جمع ابن الجزار بين الطب والصيدلة، فقد تتلمذ ابن الجزار على يدي أبيه وعمه، وكانا طبيبين حاذقين، الأول في طب العيون والثاني في الجراحة.
كما تطوَّرت دراساتُه في الطبّ، والفلسفةِ بتأثُّرِه بالطبيبِ البغداديّ إسحاقَ بنِ عمرانَ، وقد تلقّى من هؤلاءِ الأطبّاءِ، والعلماءِ، وغيرهم قَدراً كبيراً من العلمِ، والمعرفةِ، وأرادَ أن يستزيدَ في معرفتِه؛ فقرأَ العديدَ من الترجماتِ اللاتينيّةِ في مجالِ الطبِّ، والأدويةِ المُركَّبةِ، والمُفردَة.
درس‏ ‏ابن‏ ‏الجزار‏ ‏الترجمات‏ ‏اللاتينية‏ ‏لكتب‏ ‏الطب‏ ‏والأدوية‏ ‏المفردة‏ ‏والمركبة، ‏وقام بترجمتها مثل‏ ‏كتاب‏ «‏المقالات‏ ‏الخمس‏» ‏لبدانيوس‏ ‏ديوسقريدس‏، ‏الذي‏ ‏عاش‏ ‏في‏ ‏القرن‏ ‏الأول‏ ‏الميلادي.
‏وكان‏ ‏كتابه‏ ذا‏ ‏أثر‏ ‏كبير‏ ‏في‏ ‏الدراسات‏ ‏الصيدلانية‏ ‏والنباتية‏ ‏عند‏ ‏العرب‏ ‏وعند‏ ‏الأوروبيين‏ ‏في‏ ‏القرون‏ ‏الوسطي‏.
كما درس كتاب‏ «‏المقالات‏ ‏الست‏ ‏في‏ ‏الأدوية‏ ‏المفردة‏» ‏لقلاوديوس‏ ‏جالينوس‏ ‏الذي‏ ‏عاش‏ ‏في‏ ‏القرن‏ ‏الثاني‏ ‏الميلادي، ‏وكان‏ ‏أشهر‏ ‏طبيب‏ ‏يوناني‏ ‏في‏ ‏تاريخ‏ ‏الطب‏ ‏العربي‏ ‏الإسلامي‏، و‏كتاب‏ «إبدال‏ ‏الأدوية‏ ‏المفردة‏ ‏والأشجار‏ ‏والصموغ‏ ‏والطين‏» ‏لفيثاغورث‏ ‏الذي‏ ‏عاش‏ ‏في‏ ‏القرن‏ ‏السادس‏ ‏قبل‏ ‏الميلاد‏، و‏كتاب‏ «الأحجار‏» ‏لأرسطوطاليس‏ ‏المقدوني‏، ‏ومؤلفات‏ ‏لأبقراط.
وكذلك‏ ‏اطلع‏ ‏ابن‏ ‏الجزار‏ ‏على‏ ‏كتب‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏علماء‏ ‏العرب‏ ‏والمسلمين‏ ‏في‏ ‏الطب‏ ‏والصيدلة‏ ‏وعلوم‏ ‏الحياة‏ ‏وغيرها، ‏مثل‏ ‏تيادوق‏‏، و‏ماسرجويه‏، ‏ويوحنا‏ ‏بن‏ ‏ماسويه‏، ‏وابن‏ ‏إسحاق‏ ‏الكندي‏‏.‏

نابليون بونابرت وزاد المسافر
اعتُمدَت علوم ابن الجزار في الشرق العربي، وأعجب بها كثير من ممارسي مهنة الطب حتى بلغت شهرته الأندلس والحوض الشمالي للبحر الأبيض المتوسط.
وكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى القيروان لتحصيل الطب من عنده. ترجم له كل من صاعد الأندلسي وابن أبي أصيبعة،
أسس ابن الجزار مدرسة طبية، وتتلمذ عليه كثير من الأطباء؛ منهم الطبيب الأندلسي عمر بن حفص بن بريق الـذي عاد إلى الأندلـس حاملاً معه نسخة من كتاب ابن الجزار الشهير (زاد المسافر وقوت الحاضر).
ألَّف ابن الجزار العديد من الكتب التي شملت علوماً مختلفة، ولكنها اتجهت في المقام الأول إلى العلوم الطبية،
على أن أشهر كتب ابن الجزار كتاب (زاد المسافر وقوت الحاضر) الذي بقي هذا الكتاب من المراجع المهمَّة للباحثين وطلاب العلوم الطبية طيلة عقود من الزمن.
ففي القرن العاشر الميلادي وصلت إنجازاته الطبية الكبيرة إلى أوروبا، وكان نابليون بونابرت يحمـل معه دائماً كتاب ابن الجزار (زاد المسافر وقوت الحاضر). كما نقلت أعماله إلى جامعات ساليرنو ومونبيليه.
يتكون كتاب زاد المسافر من مجلدين؛ يحتويان على سبع مقالات، تختصُّ في معالجة أمراض الكبد، والكُلَى، وأمراض الجلد، وأعضاء التناسل، والحميات، وأذى السموم،
كما أنه تعمق في علم صناعة الأدوية؛ وتحدَّث عن تركيب عدد من الأدوية وعن كيفية استعمالها.
وقد ترجم كتاب “زاد المسافر” إلى اللاتينية واليونانية والإيطالية، ومن هذه الترجمات مخطوطات أقدمها في مكتبة الفاتيكان. وتوجد منه نسخ في مكتبة الشعب بباريس، ودرسدن بألمانيا، ورنبور بالهند، وهافانا بهولندا، وفي المغرب: وخزانة الرباط
ويعد الكتاب ذات قيمة طبية هامة؛ إذ ما تزال بعض الكليات والجامعات تستفيد منه إلى اليوم، ولقد ألَّفه ليكون ابن الجزار دليلاً طبياً للمسافر إلى البلدان البعيدة التي لا يوجد فيها طبيب.
يعكس كتاب زاد المسافر- وإن كان مجهوداً علمياً بحتاً- الجانب الإنساني لابن الجزار؛ حيث يبدو فيها واضحًا وعميقًا
فالتفكير في تصنيف كتاب يكون دليلاً للمسافر لا يخلو من مسحة أخلاقية، قدَّرَت حاجة المسافر المُلِحّة إذا مرض لدليل علاجي سريع إذا أصابه، أو أصاب أحدًا من المسافرين مرض أو جرح، أو ما يستدعي علاجًا ريثما يصلون إلى أقرب منزل أو يعثرون على طبيب أو مستشفى.

مُؤلَّفات ابن الجزّار
وضعَ ابنُ الجزّار قبلَ وفاتِه العديدَ من المُصنَّفاتِ في الطبِّ، والجغرافيا، والأدبِ، والتاريخِ، ومن أهمِّها” كتابُ زاد المُسافِر،
وكتابُ البُغيَة، وكتابُ العدّة لطول المدّة، وكتابُ قوت المُقيم،
وكتابُ التعريف بصحيح التاريخ، ورسالةٌ في الزكام، وأسبابه، وعلاجه، ورسالةٌ في أبدال الأدوية، ومُجرَّباتٌ في الطب،
وكتابُ البلغة في حفظ الصحة، ورسالةٌ في المعدة، وأوجاعها.
ومقالةٌ في الحمامات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *