المثل القائل لكل مقام مقال يتضمن معنى البيئة القولية، ونحن إذا ما استعرضنا إختيارالنبي- صلى الله عليه وسلم- لسفرائه إلى الملوك والقادة خارج جزيرة العرب ، لوجدنا أنه اختارهم بلسان القوم المبعوثين إليهم فدحية الكلبي بعثه لهرقل عظيم الروم لمعرفته بتجارة الشام وكان الحوار بينه وبين هرقل حواراً ثقافياً، فهرقل لديه علم بالنبي الذي سيظهر في بلاد العرب وكان أبو سفيان حاضراً للنقاش فلم يكذب لأنه عظيم العرب في تلك الآونة ، فعندما سأله هرقل عن المعركة بين محمد صلى الله عليه وسلم وقريش، قال له: نحن في أمر تبادل معه – أو نحو ذلك- يوم لنا ويوم عليه- فعرف هرقل أنه هو النبي المقصود فقال: إني أتمنى أن أذهب إليه لأغسل بين قدميه، وجمع الروم واستشارهم في الأمر ، فكان الرفض.
أما حاطب بن بلتعة فقد ذهب إلى المقوقس عظيم القبط وبعد أن قرأ الرسالة النبوية:
من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعوة الإسلام، أسلم تسلم .. إلى آخره. وخاطبه كما خاطب الباقين ب عظيم لأنهم معزولون بحكم الإسلام كما يقول العسقلاني، ولم يسلم المقوقس ولكنه بعث إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- بمارية القبطية وشيرين ، وبغلة، فتزوج النبي- صلى الله عليه وسلم- مارية وأنجبت ابنه إبراهيم، وأهدى شيرين لحسان بن ثابت رضي الله عنه، ونلاحظ منشأ العلاقات الدولية بين الإسلام والأقباط الذين أوصى بهم النبي- صلى الله عليه وسلم- لأن فيهم نسباً.
وذهب عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى عظيم الفرس الذي مزق الرسالة النبوية فمزق الله ملكه.
وهكذا خاطب النبي- صلى الله عليه وسلم- هؤلاء القادة الثلاثة كل حسب الموقف فكان الموقف ثقافياً مع هرقل وسؤال وجوابه مع المقوقس وحرباً نفسية مع كسرى الذي نصب إيواناً وأحضر قادته ورجال دولته ليرعب السهمي الذي ضرب برمحه على رياش كسرى، فيا له من شجاع خرج من جزيرة العرب بلا إله إلا الله.
وتجدر الإشارة إلى أن الحوار بين المقوقس وخاطب يسمى حوار الموقف.
يعتبر المستشرق تشومسكي هوالمبدع للبيئة القولية ولها مقابل باللغة العربية (لكل مقام مقال).