الناس يحرصون ويتخيرون عند بناء منازلهم ويترددون عند شراء مستلزماتهم ويجوبون الأسواق روحة وجيئة لانتقاء أثاثهم فهذا جيّد وهذا رديء هذا يناسبنا وذاك لا وينتقون ملابسهم ألوانها وجودتها وموديلاتها وكذلك مأكولاتهم فانتقائها وارد حسب حاجتهم وبناءً على لذتها ثم يأتون عند الصداقات، فتتوقف الإختيارات ويتجمّد الإنتقاء فيعقِدون صداقاتٍ لأشخاص مرّوا في حياتهم بشكل عابر ويتبادلون الأرقام ويصبحون خلال أيام معدودات ،من أقرب المقرّبين وأكثرهم إطلاعاً على أسرارهم وخفاياهم. بل وربما يصبحون مستشاريهم المتقدمين حتى على والديهم.
سرعة عجيبة واستعجال غير محمود في بناء علاقات هامة بلا أساس قوي يسندها وتقوم عليه ، لذا فأغلبها هشّة سرعان ما تتفتّت وتترك آثاراً موجعة. مجاراة تسارع الزمن قد تنفع في كثير من الأمور إلا في اختيارات مصيرية أو قرارات حياتية هامة كاختيار الأصدقاء مثلاً الذي يتطلب تفكيراً وهوادة وتمّحيصاً دقيقاً ، نعم فمن يستحق أن نمنحه لقب صديق وينال هذه القيمة الرفيعة في نفوسنا ويتربع صديقاً في مجلس قلوبنا ، ويكون من أثمن كنوز حياتنا، يجب أن يكون قد حصل على أعلى درجات التقّييم والتمّحيص والمواقف التي تؤكد إستحقاقه لهذه المكانة وإن لم يكن ذلك فيبقى رفيقاً عابراً أو زميلاً سطحياً له الاحترام والتعامل الحسن فقط دون تعّميق العلاقة لمرحلة الصداقة دون تأكد من صحة هذا القرار الخطير.
أعجبتني إحدى الأخوات وهي تذكر تدرّج التعارف عندها حتى يصل لمرتبة الصداقة. تقول: المرحلة الأولى التعارف ، فإذا حصل التوافق تستمر المرحلة تعارفاً سطحياً نتجاذب فيها أطراف الحديث ونتبادل الأفكار وهنا تظهر بعض السلوكيات ويتضح أسلوب التعامل خلال اختلاف الآراء وتظهر كذلك القناعات المختلفة. وتقول صديقتي إن هذه المرحلة عندها طويلة قد تأخذ زمناً تتضح خلال هذه الفترة معالم الشخصية فيبدأ قرار تطّوير المرحلة لمرتبة أعلى أو الإنسحاب فإذا ارتقت المرتبة أيضاً لن تصل لمرتبة ((الصداقة)) لكن إن نجحت العلاقة للإرتقاء لهذه المرحلة التي فيها ستتضح الرؤية أكثر وتكون الصورة أوضح بمواقف قد تحصل تثير الغضب وتستفز المشاعر وفي حالات الغضب تظهر حقائق الناس وأخلاقهم وأثناء الحوارات الجادّة تظهر معادن النفوس وما تنطوي عليه من أفكار. في هذه المحطة من العلاقة يأتي القرار بترقية العلاقة إلى مرتبة صداقة أو الانسحاب بهدوء دون خلق عداوات .
الصداقة غير الواعية وغير السليمة لها آثار سلبية قد لا تحمد عقباها فكم من بيوت تهدّمت وكم من أقدام انزلقت في الوحل بسبب صداقة خاطئة لذا لابدّ أن تبقى العلاقات سطحية حتى إشعار آخر. وحتى يتجنّب الخاسر لصداقة هشّة عضّ أصابع الندم.
من الأقوال الجميلة في الصداقة: (صديقك من صدقك لا من صدقك) بمعنى أن الصديق الحق هو من يأخذ بيدك وبفكرك لبر الأمان وهو من يردك عن الخطأ وهو الناصح الأمين أما من يزيّن لك المهالك ومساوئ الأقوال والأفعال ، فهذا ليس بصديق بل عدو يجب الحذر منه وهو اختيار خاطئ التراجع عنه ضرورة. ودمتم.
@almethag