في نقاش محتدم مع أحدهم ،شعرت بالإنزعاج من قوله بأنه لا يمكنه الردّ عليّ لأني “متعلمة و مثقفة” على الرغم من أني خلال حواراتنا أتعلم منه واستقي منه معلومات لم أقرأها خلال مراحل دراستي أو في الكتب.
ففي الفكرة السائدة والمنتشرة عن معنى سؤال من هو المثقف، نجد أن أغلب الأجوبة تكون بأنه صاحب المكتبة المملوءة بمئات الكتب، أو ذوالخبرات الطويلة المتعددة في علوم الحياة، الذي يظل صامتًا لا يتحدث حتى لا يفسد مظهره الرزين أمام الجميع، ولهذا يكون في أعينهم مثاليًا خاليًا من الأخطاء، وإن حدث واخطأ وجدهم مستنكرين حقه الطبيعي في الخطأ.
ورغم تعدد التعريفات والمقالات التي كُتبت عن معنى الثقافة ومحاولات شرحها، إلا أنها كلمة شاملة لكل ما هو متصل بتفكير الشخص، أومعارفه، أو حتى حضارته التي تصف أرضهِ ومعتقداته وتراثه، فيمكن لشخص لا يقرأ أو يكتب ، أن يزيد مخزون معلوماتنا بما لديه من معارف وتجارب لا تكون مذكورة في الكتب أو في المراحل الدراسية، فكل شخص له فلسفته الخاصة عن الإنسان المثقف الذي يصفه، وبما أنه ذكرتلك الفلسفة فهو بذلك يصنف ضمن دائرة المثقفين، فمنهم من له معرفة بالقصص والشعر، وآخر في الموسيقى وثالث حتى في مهارته ، فيشعورنا بالدهشة و السعادة أو حتى مهارة أحدهم في الأخبار الرياضية، كل ذلك صفات من المثقف حين يترك بصمته الخاصة التي تصبح معرفة بمرور الوقت، فيكون سببًا في ارتقاء المجتمع الذي يعيش فيه، فالمثقف لا يجب عليه أن يملك درجة علمية أو مكانه مجتمعية، أو يكون قرأ مئات الكتب، بل يمكن أن يكون أحدًا نلتقي به في الطريق نستنير منه معلومة وفائدة، تُضيف لنا وعيًا نستفيد منه في شؤون الحياة أوالدين. فأول المثقفين الذي عرفناهم كانوا أجدادنا، الذين لم يدرسوا أو يمسكوا كتابًا بين أيديهم، لكنهم في المقابل نقلوا عن أجدادهم أيضًا قصصًا حافلة بالتاريخ والمعرفة لم تكتب يومًا على ورق ولن توجد إلا في ذاكرتنا التي سننقلها لمن هم بعدنا تزيد من وعيهم كما فعلت بنا.
لكن في المقابل ، فالثقافة لا تقتصر على الإنسان وحده أو حديثة عهد بالزمن، بل غالباً تكون شاملة لمجتمع بأكمله منذ نشأته، بتاريخه وعاداته وحتى بدعه ومعتقداته، كل ذلك ثقافة تختلف أو تتشابه مع بقية المجتمعات رغم فواصل الحدود والخرائط، ووصلت إلينا ببساطة شرب الشاي،دون مظهر يحمل بدلة أنيقة ووجه صامت بنظارة وأقلام تزيد من فخامة المثقف، الذي نعلم أن وعي حامله البسيط يوازي صفًا كاملًا من أكوام الورق.