عبد الله صقر – مركز المعلومات
إن تكليف الملك النورماني روجر” لعالم عربي بوضع وصف للعالم المعروف آنذاك لَدليل ساطع على تفوق الحضارة العربية في ذلك العهد، وعلى اعتراف الجميع بهذا التفوق، وقد كان بلاط النورمان بصقلية نصف شرقي، هذا إذا لم يكن أكثر من النصف، وتشهد على هذا مختلف المصادر، بما في ذلك الأشعار العربية التي تنشد في صقلية في عهد روجر- ” العلامة الروسي إغناطيوس كراتشكوفسكي”. لقد تم اعتبار خرائط عالم الجغرافيا الإسلامي محمد الإدريسي معيارًا للاتجاهات والأماكن؛ لما يقرب من ثلاثة قرون من الزمن. التأسيس للجغرافيا الحديثة
لم يكن العمل المنوط بالإدريسي مجرد خارطة فحسب، مع الأخذ بالاعتبار أن خارطة العالم التي رسمها الإدريسي كانت محصلة لسبعين خارطة، جمعها الإدريسي معًا، وأسماها ” لوح الترسيم” ثم مجسم الكرة الأرضية “جرم التصوير” وكانتا على درجة عالية من الدقة والاطمئنان، فضلًا عن أنه لم يسبق إلى ذلك أحد قبل الإدريسي.
كان الأمر أكبر من خارطة، وهو بناء أساس لما يعرف اليوم بعلم الحغرافيا الحديثة؛
فالإدريسي قد جعلها علمًا؛ مثل العلوم الأخرى، وقام بتطويرها وتصحيح الأخطاء مستغلًا نقاط قوته في هذا المجال، خاصة تدوينه للمعلومات التي تصل إليه تباعًا؛ من مشاهدات وخرائط طلابه الذين وزعهم الإدريسي في مختلف البلدان، وتم انتقاؤهم بعناية، بعد أن أثبتوا جدارتهم في دقة المشاهدة، ليصوروا ما يشاهدونه برسومهم ويزودوه بمعلومات جغرافية عن البلاد التي نزلوا بها.
كان منهج الإدريسي نقلة نوعية ومرحلة انتقالية من المنهج النظري في الجغرافيا إلى المنهج العملي، وهذا تجلى بعدم اعتماد الإدريسي على المنقول، وعمد إلى الرحلة الميدانية وإرسال الكشوف؛ للتأكد من المعلومات، وأيضاً استخدامه للبوصلة والخرائط البحرية الملاحية؛ وذلك لتحديد امتدادات البحار والخلجان.ومن إسهاماته في هذا المجال أنه ترك عدداً من الخرائط لمنابع النيل والبحار وأقاليم العالم القديم. كما تمكن من إعطاء معرفة أفضل للأراضي في الشرق الأقصى.
دمج الإدريسي في خريطته للعالم خمس مناطق مناخية مختلفة، وتعتبر هذه الخريطة أدق خريطة رسمت للعالم في العصور الوسطى.
اشتهر الإدريسي بأنه من طور رسم الخرائط بطريقة أكثر دقة من الخرائط المعروفة من قبل، يمكن تبين ذلك بوضوح في خرائطه، حيث لجأ إلى تحديد اتجاهات الأنهار والبحيرات والمرتفعات، وضمّنها أيضًا معلومات عن المدن الرئيسة، بالإضافة إلى حدود الدول. وقد استخدم الإدريسي خطوط العرض أو الخطوط الأفقية على الخريطة والكرة الأرضية التي صنعها لتحديد المكان والمسافة.
وكانت خطوط الطول قد استخدمت قبل الإسلام، إلا أن الإدريسي أعاد تدقيقها لشرح اختلاف الفصول بين الدول. وإن خط العرض الذي رُسم اعتباطياً على الخريطة، كان يستخدم عادة لتحديد الفصول وحالة الطقس شمال وجنوب خط الاستواء؛ لذا فإن مثل هذا التقسيم يوضح فهم الإدريسي للبلدان المختلفة، وهذا ما يشهد على تفوقه وعلو همته.
الموسوعة الجغرافية
كانت هذه الموسوعة الجغرافية من أول الكتب العربية التي عرفت الطباعة، وبقيت تطبع وتنشر بالعربية واللاتينية والفرنسية والألمانية والأسبانية والإيطالية والإنجليزية حتى عام 1957م، واستخدمت مصوراته وخرائطه في سائر كشوف عصر النهضة الأوروبية، حيث لجأ إلى تحديد اتجاهات الأنهار والمرتفعات والبحيرات، وضمها أيضًا معلومات عن المدن الرئيسية إضافة إلى حدود الدول.
كان الإدريسي يعيد صياغة تلك المعلومات الواردة له، ثم جمع الإدريسي كل ما وصل إليه في كتاب أسماه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) الذي يعد موسوعة في الجغرافيا الوصفية، وقد احتوى الكتاب على كثير من المعلومات الخاصة بغرب أوروبا. وقد اشتهر هذا الكتاب بين علماء الشرق والغرب. قام الإدريسي بتصحيح الرأي الذي يقول: إن المحيط الهندي يحيط بالأرض من كافة الجوانب. كما صحح مفهوم أن بحر قزوين جزء من المحيط الأكبر، وقام بتحديد مسار نهري النيجر والدانوب في الخرائط التي قام برسمها. كما قام محمد الإدريسي بحساب محيط الكرة الأرضية، فكان 22,900، ولم يكن هناك اختلاف كبير بين هذه الحسابات والحسابات التي تم إجراؤها في العصر الحديث؛ حيث اختلفت بنسبة 8 % فقط.
أنس المهج وروض الفرج
يعد كتاب” أنس المهج وروض الفرج” قسم شمال إفريقيا وبلاد السودان، أحد مؤلفات الإدريسي، الذي يعتبر عملًا شاملًا يضم العديد من التفاصيل الدقيقة عن النيجر والسودان فوق نهر النيل وتمبكتو، كما قدم في هذا الكتاب تصحيحًا للأخطاء السابقة، التي كانت تدور حول موقع البحيرات من بداية نهر النيل ومساره.
الجامع لصفات أشتات النبات
تحدث الإدريسي في هذا الكتاب عن شتى أنواع النباتات والزهور والأشجار والثمار، بالإضافة إلى كتابته عن الحيوانات وتفسير أسمائها هي والمعادن، وقد اتخذ لغات عدة للوصول إلى مرحلة متقدمة في هذا الأمر؛ منها اللغة البربرية ، واللغة اليونانية والسريانية.
في هذا الكتاب نجد اتساع ثقافة الإدريسي، وتعدد العلوم التي تعلمها؛ كالطب وعلم النبات واللغة وغيرها، أثرت قدرته على الملاحظة وأعطته المقدرة الشمالية للوصف. كما قام الإدريسي بجمع النباتات الطبية من جميع البقاع التي ذهب إليها، وقام بإضافتها إلى قائمة النباتات الطبية بعدة لغات؛ مثل اللغة اللاتينية والبرية والهندية، واليونانية والعربية والفارسية.