لم أقتنع يومًا بما يفعله بعض قراء الكتب من إنشاء قوائم للقراءة في فترة زمنية محددة تتراوح من أسبوع حتى شهر، حتى لو كان حجم الكتاب من ذلك الذي يُقرأ في جلسة واحدة، فالقراءة فعل محبة واستجمام، دراسة ووعي، أوهروب من واقع الحياة إلى مشاركة الكاتب خياله، وليس سباقاً بين الصفحات والأرقام لإنهائها ثم الإمساك بآخر والبدء بالتهامه دون التمتع به.
قد يعترض البعض على حديثي هذا بأن بإمكانهم ممارسة هذه الطريقة واستيعاب ما يرد فيها، لكنه بقدر ما يكون فيها من فائدة، بقدرما تذهب هذه الفائدة بالسرعة التي دخلت فيه للعقل. ولهذا حين تسأل صاحب قائمة من تلك القوائم بعد مدة من الزمن عن كتاب ما، لا يتذكرإلا جزءاً بسيطًا منه، لأنه لم يتعمق فيه أو لم تنغرس الفائدة بذاكرته سواء كان الكتاب المقروء علمياً أو قصة قصيرة أو حتى مقالاً، لأن الطريقة التي قرأ بها الكتاب كانت على عجل أو بذهن غير مستعد للقراءة ولهذا سيكرر قراءته مرة أخرى، وحتى لا أكون مجحفة،حاولت مرة تجربة تلك الطريقة وفشلت، رغم صفاء الذهن واختيار كتاب بعدد قليل من الصفحات، لأني بطبيعة الحال قرأته للانتهاء منه وليس للمتعة أو رغبة بالقراءة، وهنا يكمن فشل تلك القوائم في أنها لا تمنح القارئ المتعة الحقيقية للكتاب.
فالقراءة لا تحتاج لمكان مثالي أو مشروب خاص للاستماع بها أو الالتزام بتحديد ساعات محدّدة لممارستها وفق قوائم تنتهي بنهاية المدة الموضوعة لها، لا ليست بتلك الصعوبة لأنها سلوان العقل وبهجة الروح، وأحيانًا تكون كعلاج كنا بحاجته حين ننجح في إيجاد النص المثالي الذي ننتهي منه بشعور تام بالرضا عنه، فهي حاجة أكثر من كونها متعة، تحقق ذات القارئ وتصقل في بعض الأحيان شخصيته، ولهذا أرى أنها تقع ضمن هرم الاحتياجات الإنسانية وعليه أن يتعمق فيما يقرأ، يفهم ما يرد بين السطور، يدرس ويقتبس ويحدد ما يجعله يبتسم أو يزيد من وعي عقله ومشاعره، وبصورة أكثر قربًا، عليه أن “يمشمش” الكتاب، أو “يعرشم” في لهجة أخرى وتقال هذه الكلمة بالعامية في عدد من المناطق والدول كناية عن التلذذ بأكل اللحم، حتى تصل اللذة إلى العظام وفي المثل يقال: “أكلت لحم؟ قال: ايه قال: تمشمشت؟قال لا. قال أجل ما أكلت لحم”
مع ذلك أنا لا أقف ضد تلك القوائم لأنها تساعد على الالتزام بالقراءة خصوصا لمن لا يجد الوقت أو يتكاسل عنها، فلتلك فائدتها أحيانًا لبعض القراء فكل ما في القراءة ذو فائدة حتى إن لم يتناسب معنا.