اجتماعية مقالات الكتاب

الرواية العربية وأبواب الحزن

منذ أن أنهيت رواية “حفرة إلى السماء” للكاتب عبد الله آل عياف، والحائزة على جائزة البوكر العربية لعام 2021م، وأنا أفكر في الوقت الذي استغرق مني تجاوز شعوري بالحزن الذي لازمني بسبب قراءتي لها، فأسوأ ما يخافه القارئ هو موت شخصية الرواية التي بين يديه، لأنه ما إن يمسك بها حتى تصبح جزءًا منه ومن وقته، يشارك الشخصيات يومياتهم ومشاعرهم، حتى حالات السعادة والحزن التي يمروا بها وتصل إلينا بأحرف وحبر، يقلب صفحاتها بسرعه ليكتشف ما بعد الأحداث التي قد تكتم أنفاسه، أو لينتهي من قلق على بطل أو موقف تسبّب له بذلك.

ورغم أنواع الأدب، إلا أن القارئ لابد وأن يتأثر بما يرد في الرواية من أحداث، حتى لو كانت تاريخية فإنه من بداية الصفحة الأولى يعيش داخلها، حتى لو كان في الأدب الأمريكي والأوربي اللذيْن يتحدثان غالبًا عن أثر الاستعمار والحرب العالمية الأولى والثانية وما فعلته بالبشرأو المدن، فبرغم من الجمود في النوع الأول والعديد من الألوان الأدبية في الثاني، إلا أنهما يؤثران على القارئ المهتم بهما تأثيرا يلاحظه على نفسه، بالإضافة للقارئ المتهم بالأدب الروسي الذي يلمس جانب الحالة النفسية له فيبدأ بالتأثر أو يترك هذا الأدب لأنه لم يتناسب معه.

لكن في الرواية العربية، فإن جانب العاطفة تلعب دوراً أساسياً في معظم الروايات إن لم تكن كلها، فلا يمكن لرواية عربية أن تنتهي إلا وتكون قد استنزفت كامل مشاعر قارئها بموت أحد أبطالها، الأمر لا علاقة له بمكان نشأتها أو كاتبها، لا ليس خريطة أو قارة أو اسم علم، بل هي طبيعة هذا الأدب يجب أن يحضر الموت بين صفحاته، سواء كان من أدب اليوميات أو السجون أو حتى الحكايات الشعبية، هذه حتمية الرواية العربية التي بدأت تنمو من كوننا أمه تغلبها العاطفة كثيرًا، تتحكم فينا حتى تكاد تسيطر علينا، ولهذا جاءت الرواية بنفس نمط مشاعرنا التي غالبًا ما تغلبنا في كل شيء، حتى نصل لمرحلة أننا نبكي على بطل رواية عشنا معه أحداثاً لا تتجاوز يومين لكونه رحل، وهذا ما شعرت به في رواية ” حفرة إلى السماء” سالفة الذكر والتي كثر فيها الموت وغيرها من الروايات العربية.

ورغم أن الأمر محزن نوعًا ما، إلا أن عاطفتنا كعرب تساعدنا على فهم الآخرين بصورة أكثر إنسانية، نجد أنفسنا بجانب بعضنا حتى وإن لم تجمعنا صلة قرابة أو جنسية واحدة، هذه العاطفة التي جعلتنا نشعر ببعضنا فما إن تصاب واحدة بكارثة فإننا نفهم ما هو الموت ونكون فيما بيننا جسداً واحد لا حدود تفصلنا إلا على الخرائط .

‏‪@i1_nuha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *