متابعات

الخوارزمي.. إحداثيات ترسم خريطة الأرض

عبد الله صقر – مركز المعلومات

(إن مصنف الخوارزمي في الجغرافيا وإن اعتبر فاتحة عهد جديد في ميدانه الخاص به ،قد أكسب الخوارزمي صيتاً عريضاً فدخل اسمه في مصطلح علمي معروف لجميع تلامذة المدارس الذين لم يهتموا بمعرفة أصل ذلك المصطلح. وهذه الشهرة لم تأتِ اعتباطاً .

وقد اطلق سارتون في مقدمته لتاريخ العلم اسم عصر الخوارزمي على النصف الأول من القرن التاسع لأنه اكبر رياضيي عصره وواحد من اكبر رياضيي جميع العصور على الإطلاق اذا اخذنا في حساباتنا اختلاف الظروف). -المستشرق اغناتيوس كراتشكوفسكي في مقدمته عن كتاب صورة الأرض للخوارزمي-.

توفي العالم الخوارزمي عام 850 م في العراق، وعرف بأنه من أكثر العقول العلمية تأثيرًا وإنجازًا في العالم العربي، لكن بقيت سيرة عالم الرياضيات الخوارزمي وإنجازاته الواسعة محط الاهتمام من قبل العلماء والباحثين حتى يومنا هذا، واستمر العلماء بالاهتمام في مؤلفاته وإنجازاته .

وقد ترجم العالم أديلارد باث (Adelard of Bath) في عام 1126 م الجداول الفلكية والمثلثية للعالم الخوارزمي للغة اللاتينية، كما كتب البروفيسور الأمريكي- اللبناني الأصل فيليب خوري(Philip Khuri)، وهو بروفيسور في جامعات برينستون وهارفرد، عن الخوارزمي ووصفه بأنه أحد أعظم العقول في العالم العربي المسلم، والذي أثر على طريقة النظر إلى علم الرياضيات أكثر من أي عالم آخر يعود للقرون الوسطى.

الخوارزمي والجغرافيا
لم تقتصر أعمال الخوارزمي على الفلك والرياضيات فقط، بل أنها امتدت لتشمل علم الجغرافيا، فقد ساهم في قياس محيط وحجم الكرة الأرضية، وساهم أيضاً في رسم أول خريطة للعالم،
صحّح الخوارزمي أبحاث العالِم الإغريقي بطليموس في الجغرافيا، معتمداً على أبحاثه الخاصة، كما أنه أشرف على عمل سبعين جغرافياً لإنجاز أول خريطة للعالم وضح فيه حساب خطوط الطول والعرض لرسم خريطة العالم
بالإضافة إلى أنه أول من قسّم العالم لأقاليم، وكتب كتاب بعنوان “صورة الأرض” والذي يشرح فيه معنى مصطلح الإقليم وطبيعته وشكله وإحداثياته ومناخه.

ألّف الخوارزمي كتاب عن بناء مقياس منسوب الماء في نهرِ النيل في الفسطاط .كما ان العديد من المخطوطات العربية في برلين وإسطنبول وطشقند والقاهرة وباريس تحتوى على مخطوطات للخوارزمي منها مخطوطة عن تحديد اتجاه مكة المكرمة، وحساب مسافة عرض الصباح (معرفة ساعة المشرق في كل بلد)، و(معرفة السمت من قبل الارتفاع). كما ألف أيضا كتابين عن بناء واستخدام الأسطرلاب.


صورة الأرض
يعتبر كتاب صورة الأرض. بمثابة ثالث إنجاز للخوارزمي ,وقد انتهى من كتابته عام 833 م. هذا الكتاب هو نسخة منقحة وكاملة من كتاب الجغرافيا لكلوديوس بطليموس. يتألف هذا العمل من قائمة من 2402 موقعاً لإحداثيات لمدن وغيرها من المعالم الجغرافية تلت المقدمةَ العامة. ولا يوجد سوى نسخة واحدة موجودة من كتاب صورة الأرض، محفوظة في مكتبة جامعة ستراسبورغ. والترجمة اللاتينية محفوظة في المكتبة الوطنية لإسبانيا في مدريد. العنوان الكامل للكتاب هو كتاب صورة الأرض من المدن والجبال والبحار والجزائر والأنهار، استخرجه الخوارزمي من كتاب جغرافيا الذي ألفه بطليموس وقد اعتنى بنسخه وتصحيحه هانس فون مزيك.
يفتتح الكتاب مع قائمة بخطوط الطول ودوائر العرض، وذلك من أجل “مناطق الطقس”، أي في مناطق خطوط العرض، في كل منطقة جوية، بترتيب خطوط الطول.
كما يشير بول جاليز، هذا النظام الممتاز يتيح لنا أن نستنتج الكثير من خطوط العرض وخطوط الطول، حيث أن الوثيقة الوحيدة التي بحوزتنا بحالة سيئة جعلتها عمليا غير مقروءة.


تصحيح وتحديد خطوط الطول
لا تشمل النسخة العربية ولا نسخة الترجمة اللاتينية خريطة العالم نفسها، ولكن تمكن هوبرت دانشت من إعادة بناء الخريطة المفقودة من قائمة الإحداثيات.
قرأ دانشت خطوط العرض وخطوط الطول الساحلية من النقاط الواردة في المخطوطة، أو يتوصل إليها من حيث السياق ليست مقروءة. حيث نقل النقاط على ورقة الرسم البياني ولها علاقة مع الخطوط المستقيمة، والحصول على تقريب الساحل كما كان على الخريطة الأصلية. ثم فعل الشيء نفسه بالنسبة للأنهار والمدن.
صحح الخوارزمي بطليموس في إجمالي درجات خط الطول للبحر الأبيض المتوسط (من جزر الكناري إلى السواحل الشرقية من البحر الأبيض المتوسط) حيث اورد بطليموس عدد الدرجات في 6 درجة من خط الطول، في حين أن الخوارزمي كان الأقرب الى العدد الصحيح بحيث انه لا يقل عن حوالي 50 درجة من خط الطول. انه «كما وصف المحيط الأطلسي والمحيط الهندي كأجسام مفتوحة من الماء، وليس بحار مقفلة بالساحل كما فعل بطليموس».
وبالتالي حدد الخوارزمي خط الطول الرئيسي للعالم القديم على الشاطئ الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، 10-13 درجة إلى شرق الإسكندرية (خط الطول الرئيسي السابق حدده كلاوديوس بطليموس) و70 درجة إلى غرب بغداد. وواصل معظم الجغرافيين المسلمين في العصور الوسطى استخدام خط الطول الرئيسي للخوارزمي.

تأثير الخوارزمي على العلماء

امتدَ علمُ الخوارزمي بعد وفاتِه، فقد تأثر العديد من العلماء والفلاسفة بالأعمال التي قدمها الخوارزمي، ومن بينهم الفرغاني، والكِندي، والفارابي، وعمر الخيام، والرازي، وابن رشد، والبِيرُونِيّ، وابن سينا، ونصير الدين الطوسي، وغيرهم الكثير.
ويعتبرُ الفرغاني أحد العلماء الذين تأثروا بشكل كبير بمدرسةِ الخوارزمي، وهو عالمٌ فلكي ، ألّف العديد من الكتب، ، كما وتناولت الكتب المدرسية والمناهج الدراسية إنجازات الخوارزمي ومُساهماتِه في علم الجبر، والرياضيات، والجغرافيا والفلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *