البلاد : متابعات
أنهت هيئة التراث أعمال المسح والتنقيب الأثري بموقع سوق ذي المجاز بمكة المكرمة في موسمه الأول، بمشاركة مجموعة من الخبراء السعوديين؛ للكشف عن الأدلة والمعطيات العلمية والتاريخية المرتبطة بالموقع، وذلك في إطار جهودها في التنقيب بمواقع التراث الوطني وصَونها والحفاظ على المواقع التاريخية والتعريف بها، والاستفادة منها بوصفها موردًا ثقافيًا واقتصاديًا مهمًا تسهم في إثراء تجربة الزوار من المواطنين وضيوف الرحمن.
وقد بدأ المشروع العلمي أعماله، في سوق ذي المجاز للموسم الأول بمسح جميع المنشآت المعمارية الظاهرة ضمن نطاق الموقع، وتوثيقها لفهم وتحديد وظائف تلك المباني وطبيعتها، حيث كشفت النتائج عن مجموعة من الوحدات المعمارية التي تختلف في أحجامها وخصائصها، والتي من المرجح أنها تُمثّل محلات تجارية ملحقًا بها مرافق خدمية، وتتكون أغلب الوحدات المكتشفة من مبنى رئيس بمدخلَين متقابلَين، بُنيت جدرانه من الحجارة الكبيرة، تتخلّلها حجارة صغيرة ورمل وجص استخدم مونة للبناء، كما يحيط بالوحدة الرئيسة بعض الغرف الخارجية.
ويتّضح من تخطيط الموقع أن المباني تقع على امتدادٍ واحد قد يكون ممرًا رئيسًا يمتدّ على طول تلك المباني التي تمثل ربما سوقًا تجارية، وقد عُثر على مجموعة من النقوش الإسلامية، والملتقطات السطحية التي تُمثّل مجموعة من الكِسر الفخارية الخزفية لأوانٍ مختلفة، وستستكمل الهيئة التنقيب الأثري في الموقع ضمن مشاريع التنقيب المنتظمة في المواسم القادمة لتقديم المزيد من المعطيات والمعلومات حول الموقع.
ويقع سوق ذي المجاز في وادي المغمس، ويبعد عن مدينة مكة المكرمة حوالي 20 كيلو مترًا إلى جهة الشرق، وينطوي هذا السوق على أهمية تاريخية وحضارية وأثرية، بوصفه من أسواق العرب الشهيرة في الجزيرة العربية منذ عصر ما قبل الإسلام حتى بداية العصر الإسلامي، وعُرفت هي وسوق عكاظ ومجنة باسم أسواق الحج؛ لأنها تقام في أشهر الحج، فقد كانت سوق عكاظ تبدأ في أول ذي القعدة من كل عام فيفد الناس إليها، وتستمر حتى العشرين من ذي القعدة ثم يرتحل الناس منها إلى سوق مجنة فإذا أهلّ ذي الحجة ذهب الناس لسوق ذي المجاز وأقاموا فيها حتى اليوم الثامن ثم يذهبون للحج، وتحفل هذه السوق خلال أيام الحج بالحجاج والتجار من سواهم من جموع العرب، ويجري فيها ما يجري في سوق عكاظ من مبايعات، وقضاء، وشعر، وتفاخر، وخطب أدبية.
وقد كانت سوق ذي المجاز إلى جانب ارتباطها بطرق التجارة البرية التي يصل من خلالها العرب والتجار إلى مكة من كل الأصقاع ترتبط أيضًا بميناء الشعيبة التاريخي على شاطئ البحر الأحمر جنوب جدة، وعرف هذا الميناء بأنه ميناء مكة قبل الإسلام وحتى عصر الخليفة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – حين اتخذ جدة بديلًا عنها في سنة 26هـ، وفي الشعيبة كانت ترسوا سفن التجارة من الهند والروم والحبشة لبيع تجارتها الى أسواق مكة، وقد ظلت سوق ذو المجاز قائمة ومستمرة إلى ما بعد سنة 129هـ.
وتعمل هيئة التراث على التوسع في تنفيذ عدد من مشاريع التنقيب الأثري النوعية في نطاق مواقع الأسواق التاريخية خلال فترة ما قبل الإسلام، والفترة الإسلامية؛ لتقديم معطيات علمية حول تلك الأسواق، ودورها الفكري والاقتصادي والاجتماعي تمهيدًا لتأهيلها وتزويدها بالمرافق والخدمات بالتنسيق مع شركاء الهيئة من الهيئات، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن؛ لتسهم تلك المواقع في إثراء تجربة ضيوف الرحمن، وتزويدهم بالمحتوى الموثق عن تلك المواقع.
ويأتي هذا امتدادًا للجهود الحثيثة التي تبذلها هيئة التراث في إدارة مكونات التراث الثقافي وحمايته وصَونه، والاستفادة منه في التنمية المستدامة، وذلك وفق إستراتيجيات دقيقة وشراكات علمية واسعة النطاق على المستويَين المحلي والدولي، وذلك انطلاقًا من توجهات الإستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة من رؤية السعودية 2030، وعملًا بإستراتيجية الهيئة المتضمنة في المبادرة الثامنة؛ تحديد المواقع الأثرية والمحافظة عليها وترميمها. والتعاون وتبادل المعرفة مع الدول الشريكة، ومنظمات التراث الدولية لحماية محفظة الثروات الثقافية، والمواقع الأثرية وإدارتها بفعالية.