اجتماعية مقالات الكتاب

دردشات ما بعد العيد

بعد زحمة رسائل العيد، إذا كنت مثل كاتب هذه الكلمات ينتمي إلى مجموعات واتساب كثيرة منها ما يضم أعداداً قليلة من الأصدقاء المختارين بعناية، ومنها ما يضم أفراد العائلة، ومنها ما يضم زملاء العمل، ومنها ما يضم أعداداً كبيرة من أفراد مجهولين لا أعرف كيف دخلت فيها ولا أدُلّ الباب الذي يخرجني منها، فعندها يمكنك متابعة القراءة. هذا هو موضوع المقال.

تمتلئ هذه المجموعات برسائل تهنئة مكررة معظمها بطريقة النسخ واللصق الأمر الذي يجعل من الصعوبة الربط بينها وبين الأشخاص الذين يرسلونها والمناسبات التي قيلت فيها. هذه السنة زادت المناسبات المزيفّة إلى الدرجة التي يضع فيها أحدهم التهنئة في حالة الواتساب لأن طفله الصغير نجح في مدرسة رياض الأطفال التي لم يذهب لها في الواقع، والويل لك كل الويل إن لم تهنّئه بهذه المناسبة. ويمكنك الحديث مطوّلاً عن رسائل التهنئة والحالات الكثيرة لطلاّب الثانوية الذين تخرّجوا هذا العام أو طلاب الجامعة الذين يلبسون البشت ويضعون الصور وهم يتبخترون في مسيرات التخرّج وكأنهم لم يقرأوا كتاب الله الذي يقول: “ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا.” هذه ليست دعوة ضد الفرح والبهجة والاحتفال بالنجاح لكنها تذكير بأن النجاحات تفرض نفسها في نهاية الأمر دون أن نتكلّف الحديث عنها والتباهي بها والتفاخر فيها أمام الناس.
التهنئة بالعيد، وفي المناسبات الأخرى، مطلوبة وفعل نبيل لكنها تحوّلت بفعل التقنية إلى نوع من التمثيل وذلك بسبب أن محتوى الرسائل التي تأتي إليك لا تعكس الواقع الذي تتعامل فيه مع هؤلاء الأفراد الذين يبعثونها.

أما الوعظ فحدّث ولا حرج. قرأت رسالة جاءت عبر الواتساب أرسلها واعظ ديني يدعو فيها إلى استثمار أوقات الفراغ الطويلة خلال الإجازة فلم أستطع إكمال القراءة لسبب بسيط وهو أنه لا يوجد وقت فراغ في هذا العصر المجنون. أين وقت الفراغ والواحد من هؤلاء المجانين يتنقّل فيها بين الواتس وتويتر وسناب شات وفيسبوك وإنستغرام وتيك توك والقائمة تطول؟ رأيت مرة أحدهم يقرأ رسالة جاءته عبر الواتس ليذهب بعدها لأيقونة الحاسبة في هاتفه المحمول لمعرفة العدد الذي سيصل إليه في حالة تكراره لدعاء ديني معيّن أو عبارات معينة في وقت معيّن خلال يوم معيّن الأمر الذي يجعل الله يحقق أمانيه الدنيوية، فقلت له مجتهداً أن الأمور لا يتم حسابها بهذه الطريقة. أنت تمارس اليوغا لكن بطريقة مختلفة. الرياضيات مفيدة فقط في الحياة الدنيا. لن ينفعك الدعاء والذكر إذا كنت تظلم الناس وتبغي في الأرض بغير الحق. العدد النهائي الذي ستصل إليه لن يفيدك إلا بالقدر الذي يزيد فيه خشوعك وخوفك من الله ويجعلك تفكّر ألف مرة قبل أن تقترف سوءاً أو تجرّه إلى مسلم.
الشجاع هو الذي يخرج من هذه المجموعات ويولي راحلاً لا يلوي على شيء.

khaledalawadh@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *